رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

المقاومة ليست سلاحا فقط.. كيف يحرم الفلسطينيون جنود الاحتلال من لذة النصر

مواجهات بين الإسرائيليين
مواجهات بين الإسرائيليين والفلسطينيين

العاجز عن المقاومة ليس من لا يملك السلاح، ولكن العاجز هو من فقد إرادته ورضي بالأمر الواقع، تاركا أرضه وعرضه يعبث بهما محتل لا يعترف إلا بالقوة، أما الأبطال فيقاومون حتى ولو بذر الرماد في عيون العدو.


لم تكن هواية الفلسطيني قبل احتلال أرضه قذف الناس بالحجارة، ولا التظاهر حتى الموت، لم تكن دنياه سوى حياة طبيعية ينعم فيها بالهدوء ويمارس خلالها طقوس وعادات اجتماعية مبهجة، حتى انقلبت موازينه فاضطر لبذل روحه للحفاظ على الأرض التي رعت يومًا فرحه وابتسامته.

الفلسطيني مواطن عربي طبيعي، له ما له وعليه ما عليه، فلم يكن يومًا "سوبر مان" يطير ويمطر أعداءه بوابل من الموت، إنما فقط أحب أرضه حد العشق، فأهداها روحه، وابتكر في أساليب حبها ما لا يطاق من "المجاكرة".

ومفردة "المجاكرة" في صميم اللهجة الفلسطينية تعني "الغيظ والمناكفة والاستفزاز"، فعندما "يجاكر" شخص عدوه، يعني أنه "يغيظه ويستفزه"، وهو أمر يبرع به كل فلسطيني سواء أن كان يقيم في أرضه أو لاجئ في بلاد المنفى المختلفة، ليس ثمة كبير وصغير على أرض فلسطين، لا يمارس "المجاكرة" تلقائيًا، فجميعهم يعرفون كيف يستفزون قوات الاحتلال الإسرائيلي ويهزمون انتصاراتهم المؤقتة في أراضي المواجهة، لإفقاد العدو كل لذة انتصار يمكنهم الشعور بها، بدءًا من المواجهات حتى مراسم العزاء للشهداء.


أغاني ودبكة
خلال المواجهات التي تندلع بشكل يومي بين جنود الاحتلال والشباب الفلسطيني، يستطيع الشباب مضاعفة مفعول حجارتهم ورد الرصاص بالموسيقى والرقص!

نعم هي الموسيقى ورقص الدبكة الفلسطينية التراثية، حيث يصطحب الشباب إلى المواجهات مكبرات صوت لتشغيل قائمة طويلة من الأغاني الثورية التي توقظ الحماس في صدورهم، ويتبعونها بقائمة للأغاني التراثية التي تجعلهم تلقائيًا يرقصون (الدبكة) على أنغامها خلال إلقاء الحجارة مقابل قوات الاحتلال.


أمور بسيطة ولكن تملك تأثير أكبر من الرصاص على قلوب قوات الاحتلال التي توقن أن هذا الشعب لن يمل ولن يقبل بفرض النسيان عليه.


أمهات الشهداء
لا أحد يختلف على (آلات الوجع) التي تشتعل في صدر أم أخبروها للتو أن ولدها استشهد، ولكن يزيد الوجع في ذبح الصدر إذا تم كتمانه، وإخراج (زغرودة) مدوية محل (الصرخة).

الأم الفلسطينية ليست كسائر أمهات العالم التي يخشى عليها عند وصول خبر استشهاد ابنها إليها، وإنما تزغرد وتغني وربما ترقص، ليس لأنها لا تحب ابنها، وإنما لأن كرات دم أمهات فلسطين تتكون في المقام الأول من (كرات مقاومة) تتبعها الكرات الحمراء والبيضاء، هم لا يبكون حتى لا يصل للعدو إحساس لذة الانتصار، وإنما تتزين لاستقبال ابنها الشهيد واحيانا "ترسم الحناء" على يده قبل دفنه، لتوصل رسالة واحدة إلى المحتل، مفادها أنه: (اقتلونا كما شئتم، فالشهادة ماهي إلا مواسم للفرح والعزة).


بيوت العزاء

هل دخلت يومًا سرادق عزاء ووجدت جميع نسائه يرتدين ملابس بيضاء؟!.. نعم في فلسطين يفعلون ذلك في بيوت عزاء الشهداء، حيث ترتدي جميع النساء لفة رأس بيضاء للتأكيد على أنها ملابس للعرس، وأن الشهيد ما هو إلا "عريس الليلة".

ليس هذا فحسب، وإنما تعمل عائلة الشهيد خلال العزاء على توزيع "قوالب الحلوى" في الشوارع وبيت العزاء، فالمعزون ماهم إلا "معازيم الفرح" والشهادة مثلها مثل العرس، تستحق الفرح.

متى نبكي!
لا يرقص الفلسطيني ويوزع الحلوى لأنه اجوف المشاعر، وانما لأنه يمارس المقاومة في جميع طقوس وروتين حياته اليومية، ابتداء من فطوره وملبسه حتى نومه.. فقط النوم في حياة الفلسطيني هو المتنفس الوحيد للبكاء بعيدًا عن أعين البنادق الموجهة إلى صدره.

في فلسطين، لا يبكون لأنهم بشكل تلقائي وجماعي قرروا تأجيل البكاء، تأجيل الحزن والنواح، تأجيل ألم الجوع لحين الوصول الكامل للانتصار واستعادة الأرض كاملة دون نقصان، فقط بعد عودتهم سيبكون في الجهر كثيرًا، سيتملكهم الألم دفعة واحدة عندما يجلسون على بحر يافا ويأكلون برتقالها، ويصلون في باحة المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، عندما يقطفون ثمار الزيتون بحرية.. سيبكون جهرًا لإخراج مخزون أكثر من ٧٠ عاما من الدموع.
Advertisements
الجريدة الرسمية