رئيس التحرير
عصام كامل

مصطفى عنز يكتب: «أين ذهبت عروبتنا؟»

فيتو

ظهر علينا ذلك الرجل البرتقالى الذي يدعى دونالد جون ترامب، الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية، معلنًا أمام العالم أجمع الاعتراف بأن القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، وموجهًا وزارة الخارجية للبدء بعملية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.


لم نجد أحدا يتحرك للعدول عن هذا القرار الذي يصيب بل يطعن عروبة وكبرياء العرب، واكتفى الجميع بالاستنكار، والإدانة، والرفض، وإبداء المخاوف من النتائج المتوقعة، والشعارات الزائفة، والتدوين على مواقع التواصل الاجتماعى، والمشاركة في الهاشتاجات.

ما يترد في ذهنى في ذلك الحين بيت شعر للشاعر الكبير فاروق جويدة من قصيدة «عودوا إلى مصر» والتي يقول في شطرها الثامن "هل هانت الأرض أم هانت عزائمنا.. أم أصبح الحلم أكفانا تغطينا"، فهل حقًا هانت علينا القدس بعد 70 عامًا.. وهل فقدنا عروبتنا وعزائمنا؟؟

فلا شك أن القدس هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين، وقرار الرئيس الأمريكى بنقل سفارة بلاده إلى القدس يخالف القانون الدولى والمبادئ الإنسانية، كما أن اعتراف ذلك الرئيس المستهتر بأحقية الصهاينة ما هو إلا استفزاز صحيح لمشاعر مليار وخَمسمائة مليون مسلم، لطمس الهُوية الإسلامية، وسرقة تاريخ أرض المحشر والمنشر.

فعلمونا ونحن أطفال في المدرسة أن القدس عاصمة دولة فلسطين المحتلة، التي دنسها الصهاينة منذ أن وطأتها أقدامهم واغتصبتها أيديهم في أربعينيات القرن الماضى، حيث قتلوا شعبها، ويتموا أطفالها، ورملوا نساءها، واستباحوا خيراتها، واستغلوا أسلحتهم وقوتهم وتعاونهم مع أمريكا من أجل الانتفاع وتحقيق المكاسب على حساب الفقراء والأيتام، وكم من مرة شاركنا في وقفات تضامنية مع أهل غزة احتجاجًا على الهجمات الإسرائيلية المتكررة عليهم، وكنا نقف في فناء المدرسة ونردد الهتافات المؤيدة للقدس، والشعارات الحماسية التي كانت تشعل حماس الجميع من المعلمين والطلاب وحتى العاملين، وأعينهم مغرورقة بالدموع التي كانت تسيل في بعض الأحيان على خدودهم، حزنًا على إخوانهم المسلمين.

ولا أنسى يوم أن وقعت حادثة قتل الصبى محمد الدرة في قطاع غزة في الثلاثين من سبتمبر عام 2000م، في اليوم الثانى من انتفاضة الأقصى، وسط احتجاجات امتدت على نطاق واسع في جميع أنحاء الأراضى الفلسطينية، هذا المشهد الذي أدمى قلوبنا، وأبكانى أنا شخصيًا بالرغم من كونى طفلًا صغيرًا في ذلك الوقت لم يبلغ الـ5 سنوات، وأنا أشاهد مشهد احتماء جمال الدرة وولده محمد البالغ من العمر اثنتى عشرة عامًا، خلف برميل إسمنتى، بعد وقوعهما وسط محاولات تبادل إطلاق النار بين الجنود الإسرائيليين وقوات الأمن الفلسطينية، وعرضت هذه اللقطة التي استمرت لأكثر من دقيقة، مشهد احتماء الأب وابنه ببعضهما البعض، ونحيب الصبى، وإشارة الأب لمطلقى النيران بالتوقف، وسط إطلاق وابل من النار والغبار، وبعد ذلك ركود الصبى على ساقى أبيه، بعد مقتله، وبعد التشييع في جنازة شعبية تخلع القلوب، مجّد العالم العربى والإسلامى محمد الدرة باعتباره شهيدًا.. هكذا كانت عروبتنا!!

علمونا في مدرستنا، أن الأمة الإسلامية والعربية أمة متماسكة على قلب رجل واحد، وأتذكر كلمات مؤثرة من معلمتى الفاضلة التي علمتنا الوطنية والعروبة الأستاذة «محروسة زناتة»، مدرسة اللغة الإنجليزية سابقًا بمدرسة أحمد عبد العزيز الابتدائية، بمدينة بيلا، التابعة لمحافظة كفر الشيخ، فكانت تحفظنا أبياتًا تقول "نحن مش إرهابيين.. نحن شعب الحرية.. إسلام ومسيحيين.. أمتنا العربية.. نحن بكلمة متفقون.. وحدتنا وإيمان الدين.. بدنا نحرر فلسطين.. فلسطين عربية.. شغلوا العالم بالحروب.. زرعوا الفتنة وأحقادها.. فرقونا شعوب شعوب.. ولعبة هم أسيادها.. صهيونى ظالم قلاب.. ما بيأمن حتى بكتاب.. هو أساس الإرهاب.. وعدو الإنسانية.. مش احنا اللى اعتدينا.. هم كانوا معتدين.. نحنا في أراضينا.. وهم فيها المغتصبين.. نحن الحق وثوريون.. وبالقضية مؤمنين.. ورح تبقى أرض فلسطين.. عربية الهُوية"، حتى إنها كانت تغنيها لنا بعد أن تنتهى من شرح مادتها التي كُلفت بتدريسها لنا، وكانت تمنح من يحفظ تلك الأبيات العروبية جوائز مالية، وعينية.

هل تذكرون معى أوبريت الحلم العربى، ذلك الأوبريت الغنائى العربى الذي صدر عام 1998م، واشتهر في سبتمبر 2000م عقب انتفاضة الأقصى الثانية، والتي اندلعت عقب تدنيس أرييل شارون، رئيس وزراء إسرائيل السابق لعنه الله، لساحة المسجد الأقصى، حيث تم عرض هذا الأوبريت مرارًا وتَكرارًا على الفضائيات العربية باختلافها مما أكسبه شهرة أكثر، وكنا جميعًا نحفظه، ونتأثر عند سماعه.

لا شك أننا نفتقد الآن إلى تلك المشاعر، والأحاسيس الإنسانية المرهفة الصادقة، المفعمة بالحب والنقاء، التي تمتلئ بها الروح، ويضطرب بها القلب، ويهتز بها الوجدان، علينا أن نعيد تلك المشاعر، وأن نعلم الطلاب في مدارسنا معنى العروبة الحقيقى، علينا أن نعرفهم دائمًا أن القدس هي عاصمة دولة فلسطين، وأن الصهاينة ما هم إلا لصوص باتت نهايتهم وشيكة.

فماذا حدث لنا.. وأين المسلمون حقًا، كيف سمحت لهم مشاغلهم بأن يشاهدوا القدس العربية محتلة حتى الآن، وفلسطين مستوطنة من قبل الصهاينة منذ سنوات عدة دون أدنى حل لتلك المشكلة المتفاقمة، كيف سولت لهم أنفسهم أن يتشاجروا مع بعضهم البعض، ويتركوا عدوهم، ويسمعوا عن الملايين من المهاجرين العرب، والمسلمين الهائمين على وجوههم في كل أصقاع الدنيا دون مد يد العون لهم، أيها القادة والمسئولون رفقًا بأنفسكم وبنا قبل فوات الأوان، دعونا نتحد لنواجه إرهاب أمريكا وإسرائيل، دعونا نكون على قلب رجل واحد مثلما كنا في يوم من الأيام، اتحدوا ولتكن القوة شعاركم، والقدس هدفكم.

وعليك أيها الترامب، أن تعلم أن مهما فعلتم ومهما زيفتم وكذبتم فالحقيقة واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، فالقدس عاصمة فلسطين، والعلم الوحيد الذي سيرفع هناك له ألوان أسود وأبيض وأخضر وأحمر، شئتم أم أبيتم!

ويوما ما سيحرر الله عز وجل الأرض، ويحكم بين عباده يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون.
الجريدة الرسمية