رئيس التحرير
عصام كامل

«الغضب الساطع آت».. أهالي القدس يبدأون رحلة الدفاع عن «أولى القبلتين»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

في السابعة والنصف من مساء الأربعاء، بتوقيت القدس المحتلة، خرج "محمد باسل" إلى المقهى المجاور لمنزله بمنطقة باب العامود خلف سور المدينة القديمة، ومعه عدد من أصدقائه ممن فضلوا مشاهدة الخطاب الكارثي، كما وصفه باسل، الذي يلقيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تمام الثامنة... "كانت المقاهي ممتلئة عن آخرها بالمقدسيين، كأنه يوم مباراة كرة قدم".

هكذا وصف محمد باسل، 24 عامًا، والعضو بإحدى الفصائل الفلسطينية، والذي منع منذ عامين من مزاولة عمله بحكم من سلطات الاحتلال، الوضع قبيل الخطاب. "الأمر لم يقتصر على قبل الخطاب فقط، نحن خرجنا عصر اليوم في تظاهرات عند باب الاتحاد الأوروبي، وأبواب الإدارات الأمريكية بالمدينة، نددنا وحشدنا".

عقارب الساعة تشير إلى الثامنة، العيون شاخصة نحو شاشات التلفاز، والقلوب يملأها الخوف على مستقبل مظلم للقضية الفلسطينية: "آن الأوان أن نعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل" كلمات يلقيها مترجم فوري تصدر عن التلفاز المواجه لوجه باسل وصديقيه، بينما تتقلص عضلات وجه ترامب وهو يملي على شعوب العالم خارطة طريق وصفها باسل بالصهيو أمريكية، "كلنا كنا ننصت بتركيز عالٍ للكلمة التي انتظرناها كثيرًا كما ينتظر السجين حكما بالإعدام، كلنا انتفضنا من أماكننا بالكراسي ورددنا هذا وعد بلفور الثاني". 

الأجواء الآن في البيوت المقدسية مشحونة، يمنعها طقس جاء هو الآخر عكس تيار الحلم الفلسطيني، "الشباب بالبيوت جميعهم بدهم يخرجون للشوارع لكن الجو عاصف وممطر، كبل أيدي الكثيرين خاصة كبار السن والفتيات ومنعهم من الخروج إلى الشوارع، الأشجار والحجارة والمباني غاضبة"، النساء تنتحبن خلف الأبواب.

استيقظ باسل في السابعة صباح اليوم وشد رحاله إلى المسجد الأقصى للمشاركة في الإضراب العام الذي أعد له هو وزملاؤه منذ عصر أمس "اليوم ناويين على إضراب يوم واحد في القدس الشرقية والضفة ونابلس والخليل".

يوم الجمعة له نصيب الأسد في خطة باسل وجموع النشطاء بالداخل المقدسي، "بعدما أخذنا الإذن من مرجعياتنا كما هو معتاد كل تظاهرة، يوم الجمعة راح يكون فيه مظاهرات أتوقعها أشبه بانتفاضة أكتوبر الماضي، خاصة بعد خطاب الرئيس أبومازن الذي خيب آمالنا نحن النشطاء والشباب المقدسي، التظاهرات ستجوب كافة البلاد وسيشارك بها كافة الأطياف"، فحتى وزارتي التعليم العالي والتربية وزعت بيانا رسميا يفيد بإيقاف الدوام وهو الانتظام المدرسي، بكافة مدارس مدن الوطن الحبيب... يضيف الناشط المقدسي، وغدًا في الثانية عشرة ظهرًا سيتحرك أبناء الوطن من معلمين وطلاب نحو مراكز المدن للاحتشاد".


على القاضي، شاب فلسطيني، مثل آلاف الشباب الذين صُدموا من قرار الرئيس الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية إليها، أعلن القاضي ومعه عدد كبير من أصدقائه "ثورة الغضب" وبدأوا الاستعداد لتنظيم فعاليات مناهضة للقرار الأمريكي:"الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يوم أسود جديد يسجل في تاريخ العرب، ونحن لا نعترف بهذا القرار لأنه لا وجود لدولة إسرائيل ولا عاصمة لهم على أرضنا، والقدس كانت وستبقي عاصمتنا الأبدية، وهذا القرار سيكون نقطة تحول في تاريخ نضال شعبنا".


وبصوت تغطيه نبرة حزن تحدث الشيخ عكرمة صبري، خطيب المسجد الأقصى، عن التداعيات الخطيرة التي تحمل الرئيس الأمريكي مسئوليتها كاملة وعلى التوتر الذي سيحدث في المنطقة، مؤكدا أن الاعتداء على القدس هو اعتداء على مكة المكرمة والمدينة المنورة.


«عكرمة» أطلق دعوة للعرب جميعا وليس للفلسطينيين فقط، للوقوف ضد القرارات الأمريكية والتجاوزات الصهيونية ضد أولى القبلتين وثالث الحرمين، مؤكدا أن الظروف المتواجدة حاليًا على الساحة تدعو إلى الوحدة بين كل الفصائل الفلسطينية لأن مدينة القدس مهددة ويجب إنقاذها والحفاظ عليها بوحدة العرب والمسئولية مشتركة وفي أعناقنا جميعا.


الشعب الفلسطيني سينتفض بطبيعة الحال، هكذا يتحدث إمام وخطيب المسجد الأقصى عن شعب عانى على مدار سنوات كثيرة، وأنه لا ينتظر أن يأخذ إذنا من أحد لكي يحافظ على أرضه :"الشعب الفلسطيني تعرض لظلم كبير على مدار السنوات الماضية وحان الوقت لأخذ الحق والضغط يولد الانفجار".


وبصوت يملؤه الكره للاحتلال والظلم، أقسم الشيخ «عكرمة» على أن الفلسطينيين لن يفقدوا سيطرتهم على المسجد الأقصى، وسيضعون دماءهم وأرواحهم أمام الحفاظ على أولى القبلتين، فإن "هبت الأقصى" في شهر يوليو الماضي حسمت الأمر وأعلنت إعادة السيادة الإسلامية على المسجد الأقصى وأن الاقتحامات المتكررة من اليهود المستوطنين في القدس لا تعطي الحق لهم في المسجد الأقصى، ولن نركع لتجاوزاتهم.

الجريدة الرسمية