رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

في وداع «عم وزة».. مدرجات «التالتة شمال» مشتاقة لك

فيتو

في السابعة صباحًا، دق جرس المنبه، يستيقظ عم وزرة بهمة ونشاط شاب يافع لم يكمل العشرين بعد، يبعد الغطاء الأحمر المكسو بعبارة "الأهلي نادي القرن"، يغتسل ويستعد للنزول إلى وجهته اليومية، فمساء هذا اليوم سيلعب الأهلي "رفيق الروح" مع منافسه إنبي، "نزل الماتش وصحته كانت كويسة".




انتهت المباراة بفوز الأهلي، قلبه يرقص طربا، العائلة جميعها في يوم عيد، لأن هذا الفوز دائما يعقبه "طبق حلويات شرقية مشكّل". فرغ الاستاد ممن فيه، ما يزال "عم وزة" في مكانه المعتاد منذ خمسة وستين عاما، عند "المقصورة"، "مكنش ليه مكان غيره، أي ماتش بيكون قاعد عند المقصورة، يمكن كانت هي السبب في نجاته في أحداث مذبحة بور سعيد"، ابنه الأكبر طارق يتحدث.



وصلت الساعة إلى الحادية عشرة مساءً، ما زال يجلس وحده عند المقصورة، يتأمل كل ركن في المكان الذي شرب من عمره وأعصابه وأجمل لحظات حياته، "كان حاسس إن ده آخر يوم ليه في الاستاد، ومباراة الأهلي وإنبي آخر ماتش هيحضره"، ليعود إلى بيته في الثانية صباحا، يشعر بوخز في صدره، دقاته بدت أقل إيقاعا.

أبلغ زوجته الحاجة هدى أنه سيموت اليوم، "أنا شكلي هموت ياهدى"، وبعدها ينقل إلى المستشفى، وتكون آخر كلماته لابنه الأوسط، "أنا خايف على النادي، بس عندي أمل في المجلس الجديد"، ويموت بعدها بساعات.



"محمد وزة" رحلت يا أسطورة نادي القرن
منذ كان في الثامنة من عمره، تعلقت روحه بالنادي الأهلي، كان يهرول خلف فريقه من أقصى البلاد إلى أقصاها، "كان يسمع إن صالح سليم في الشارع يجري وراه، هو اللي رباه على حب النادي"، تتحدث الحاجة أم حسن الأخت الصغرى لعم وزة، تستطرد قائلة "كان والد بيضربه ويحبسه علشان يذاكر، مكملش تعليمه وأخد الإعدادية، كان النادي كل حياته، عاش ليه ومات واسمه على لسانه".

شب "محمد عبد الغني"، الشهير بمحمد وزة، والذي استقى هذا الاسم من خاله "على وزة"، على حب النادي، فلم يترك مباراة بكافة أنواعها، يحفظ عدد الأجوال التي أحرزها النادي منذ عشرات السنين، وبل يعلم من أحرزها، دائما هو أول الحاضرين، المشهد بدونه يبدو مبتورًا، لا مذاق له ولا لون، فلابد أن يحضر وزة الطفل والشاب والعجوز، ليكمله بإخلاصه الذي لم يطلب نظيره يومًا مبالغ مالية

"أبويا عمره ما ساب ماتش كدة، حتى لما الجماهير اتمنعت بعد 2011 من حضور المباريات، كان هو أول اللي يحضروا وعند المقصورة، مجلس الإدارة مكنش بيقدر يزعله، أبويا حب الأهلي كيان، والأهلي كمان شاله فوق رأسه".



في الفرح والحزن الأهلي في قلب "وزة"
أنجب عم وزة، تاجر الساعات بالعتبة، ثلاثة أبناء فُطموا على حب الأهلي والتعلق به، "أنا اتولدت أهلاوي بالفطرة، مينفعش أكون غير كده". وزة الذي آثر الأهلي على أهله وذويه، حتى أن إحدى أخواته قالت بينما تحبس الدموع بعينيها، "كان ممكن يسيبنا قاعدين كلنا وينزل علشان الماتش، كان بيتنقل للمستشفى لو الأهلي اتغلب، كل العيلة الزملكاوي قبل الأهلاوي، كان يدعي الأهلي يغلب خوفًا على صحته، خاصة أنه كان عنده القلب".

في أجواء يخيم عليها الحزن وتبدو آثار النادي في كل تفصيلة بها، فهنا صورة لشعار النادي، وهناك صورة للراحل مع الخطيب، يجلس أقاربه، يتلقون واجب العزاء، بينما يتذكرون مواقفه التي لا تنسى معهم بسبب الأهلي، "أخويا كان في الحزن والفرح مع الأهلي".



تفاصيل إذا سمعتها لوهلة ستشعر أنها حتما صادرة عن شخص سلك الجنون دروب عقله، فمن يترك خطبة ابنه ليحضر مباراة للأهلي في الإسكندرية ؟، من يترك عزاء والده ولا يبكيه بقدر ما يبكى وينعي وفاة نجم الأهلي "صالح سليم"، من الذي كاد أن يقف رافضا لزيجة ابنه الأكبر بسبب أنه خطيبته زمالكاوية ؟!

إنه عم وزة، الذي أحب فأخلص في حبه، أحب وأعطى ولم ينتظر يوما مقابلا، "يوم خطوبتي من خمس سنين قلتله يلا يا حاج الخطوبة هتبدأ خلاص، قالي أجلوها لما أخلص الماتش، وفعلا رجع الساعة 11 كانت الخطوبة انتهت".

"كل ذرة في دم محمد أخويا بتحب الأهلي، عاش 74 سنة منها 66 سنة بيعشق ترابه، لو كل حد حب كيان وأخلص في حبه مثله، كان الوضع في الدنيا اختلف".



تخادع الدموع عينيّ شقيقته فتتساقط رغما عنها، بينما هي تصف أخاها بالأسطورة التي لن تموت، ليقاطعها ابنه قائلًا "المقصورة والمدرجات ستشتاق إليه"، أول مباراة ستعقد غدا يا عم وزة وأنت غائب عنها، "الغياب عن الماتش، كلمة عمره ما فكره يطبقها، لكن بكرة هيطبقها بحكم القدر".
Advertisements
الجريدة الرسمية