رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

أطفال محاجر المنيا بطعم الفقر و رائحة الجير.. «تقرير مصور»

فيتو

أيام قليلة تفصلنا عن عيد الطفولة، ويحتفل العالم بيوم إعلان قانون حقوق الطفل، وبينما تحتفل مصر مع دول العالم بهذا اليوم، يوجد في إحدى بقاعها عدد كبير من فلذات كبدها محرومون من طفولتهم، ممنوعون عن أبسط حقوقهم تحت سطوة لقمة العيش التي تدفعهم دون أدنى إرادة منهم إلى العمل في أكثر المهن قسوة وأشدها خطورة، في محاجر عروس الصعيد.. المنيا.



تشتهر المنيا بمحاجر الحجر الجيري في صحرائها الشرقية، لا صوت فيها يعلو فوق صوت الماكينات واللوادر والحفارات، الشمس لا ترحم بأشعتها الحارقة، واللغة السائدة بين العاملين فيها هي لغة الإشارة. 



نور وحسن ومحمد، ثلاثة أشقاء من منطقة الأشراف بالقرب من منطقة المحاجر بمحافظة المنيا، أكبرهم نور ذو الـ 13 عامًا، بينما يبلغ حسن 10 سنوات، ومحمد أوسطهم، دفعتهم ظروفهم الاقتصادية الصعبة ووفاة والدهم إلى التخلي عن حياتهم الطبيعية لمن هم في مثل عمرهم، للعمل في محاجر الطوب الجيري، غير عابئين بصعوبة المهنة ومتطلباتها التي تتخطى قدرات جسدهم الضئيل، فقط لتوفير لقمة عيش لأسرتهم، هو هدفهم ومبتغاهم.


قبيل أذان الفجر، يستيقظ الأشقاء الثلاثة استعدادًا ليوم جديد من العمل، يوم يُنتقص من عمر طفولتهم ويدفعهم دفعًا إلى عالم الكبار، يستقلون سيارة ربع نقل متهالكة من قريتهم لتصل بهم إلى المحجر.



بمجرد وصولهم إلى مقر عملهم تختفي وجوههم تحت قناع من القماش، بينما تستعد أيديهم الصغيرة المجهدة لبدء يوم جديد في وظيفتهم الشاقة في المحجر، فهم "حمالة"، يحملون الحجارة ويلقونها في الكسارة لتتحول إلى بودرة يتم استخدامها في أعمال البناء، وهكذا يقضون الساعات في تعب متواصل حتى الثانية ظهرًا، وينتهي العمل، بينما الشمس مستعرة في كبد السماء.



تسرب الثلاثة الصغار من المدرسة كرهًا، فمواعيد الدراسة تتزامن مع وقت العمل، ولقد فُرضت عليهم المسئولية فرضًا ولم يكن لديهم بد إلا البحث عن لقمة العيش بين أحضان الجبل شديد البرودة والقسوة، جبل لا يعرف الرحمة، تمامًا كظروف عملهم.



في أرض المحاجر مئات الأطفال مثل نور وحسن ومحمد، تتراوح أعمارهم ما بين 8 و18 عاما ممن دفعتهم ظروفهم إلى هذا العمل المضني، منهم من ورث المهنة عن والده الذي فقد حياته إثر إصابة عمل قاصمة، ومنهم من ساقته الأحوال الاقتصادية المزرية.. صغار ما بين العاشرة والسابعة عشرة ينتشرون فوق الأرض التي اكتست بأبيض الجير، كأنما السماء قد أمطرت ثلوجًا في أكثر بقاع مصر حرارة.



عادة ما تتركز وظيفة الصغار على حمل الطوب الجيري، وبينما ترتعش أيدي المستجدين منهم تحت ثقل القوالب، يحملها القدامى منهم بأيادٍ متمرسة اكتست بالعضلات قبل الأوان بأوان، كل هذا يتم في ظل أجواء لا تعرف للأمان سبيلًا، ويحيطهم الخطر النابع من الأدوات الحادة والخطرة من كل جانب، فالأدوات التي يستخدمونها في العمل لا تقي من الأخطار، وفي حالة إصابة أحدهم أثناء العمل فإنه معرض لفقدان حياته لضعف الخدمات الطبية في المنطقة.



وبالإضافة إلى طفولتهم الضائعة، فإن هناك مخاطر صحية على الصغار جراء هذه المهنة الشاقة، والخطأ عادة بـ"فورة" في ظل غياب المظلة التأمينية للعمال عامة، وبالطبع من ضمنهم الصغار الذين قد يتعرضون للإصابة ببتر الأعضاء أو الإصابة بعاهة مستديمة إثر استغلالهم في أعمال التفجير لاستخراج المواد الخام من باطن الجبل، أو قد يتعرضون للتفحم أو الموت لملامسة الأسلاك المكشوفة المنتشرة في المحجر، وفي أهون الظروف قد يتعرضون للالتهاب الرئوي والتهابات العيون والأمراض الجلدية جراء استنشاق كميات كبيرة من غبار الجير الأبيض أثناء تقطيع الكتل الحجرية.


مع كل هذا الشقاء الذي يلاقيه العمال الصغار فإن حقوقهم المادية التي يتنازلون من أجلها عن طفولتهم "مهضومة"، فبالرغم من أن نسبة كبيرة من العاملين بالمحاجر من الأطفال فإنهم يتقاضون يومية أقل من كافة العمال تبدأ من 100 جنيه، لذا فهم دائمًا الاختيار الأول لأصحاب المحاجر، بالرغم من أن توظيفهم يخالف الفطرة الإنسانية وقانون الطفل المصري 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون 126 لسنة 2008 الذي يحظر تشغيل الأطفال في الأعمال الخطرة.


Advertisements
الجريدة الرسمية