رئيس التحرير
عصام كامل

محامون يدافعون عن الباطل بـ«ما لا يخالف القانون».. السنوسي: القاضى هو المسئول الأول عن مد أجل القضايا.. و«الإيجار» و«الميراث»..و«التعويضات» الأبرز

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

لأن كل مهنة بها الصالح والطالح، فقد حاول البعض إكساب مهنة القضاء الواقف سمعة ليست طيبة، ضاربين بالقسم الذي حلفوه عرض الحائط أمام المغريات المادية، فها هو محام يبرئ قاتلًا وذاك يتهم بريئًا، وكله يهون في سبيل جمع الأموال والشهرة، ليتحول المحامى من عون للعدالة إلى بهلوان يرقص على كل الموائد ويعبث بالمجتمع على طريقة “حسن سبانخ”، وهى شخصية المحامى المراوغ التي جسدها الفنان عادل إمام ببراعة في فيلم “الأفوكاتو”.


في الوقت نفسه يحالف الحظ كل مجرم كون ثروة لا بأس بها من المال الحرام ووقع في طريقه محام مراوغ يتحايل على القانون لا يهمه إذا كان موكله قاتلا، تاجر مخدرات، مغتصبا أو ارتكب أي جريمة من أي نوع، ليخرجه كالشعرة من العجين ويجلب له براءة مزيفة بعد أن يحرف الكلم عن مواضعه ويتجاوز حقوق الآخرين، ويرجع ذلك إلى بقاء القوانين كما هي دون مواكبة العصر فضلا عن الحيل القانونية التي تطيل أمد القضايا بالشكل الذي يفسدها ويهدد أية قيمة للنواب والعقاب.

المستشار صبرى السنوسى، أستاذ القانون الدستورى ووكيل كلية الحقوق للداسات العليا بجامعة القاهرة، أوضح أن الأصل هو أن يصدر الحكم في التاريخ المحدد للنطق به، إلا أنه في بعض الأحيان قد تكون الدعوى غير جاهزة للنطق نظرًا لغياب مستند مهم، في هذه الحالة، إما أن يتم إعادة الدعوى من جديد للمرافعة، وهنا يلتزم الخصوم بالمستندات التي يطلبها القاضى لاستكمال النظر في الدعوى، وإما أن تحجز الدعوى للحكم من جديد إذا تم تقديم المستند المطلوب، لذا يسمح القاضى بإطالة أمد النزاع، مؤكدًا أن الأمر يتوقف على سلطة القاضى في هذا الشأن الذي يلعب دورا في حسم القضية بشكل كبير.

السنوسى أكمل قائلًا: “مد الدعوى من جانب القاضى دون إعادتها للمرافعة يتم نظرًا للعبء الملقى على عاتق القاضي، فكثرة القضايا لا تمكنه من الفصل في الدعوى في التاريخ المحدد ومن ثم يؤجل”.
ولفت إلى أنه على الرغم من أن ألاعيب المحامين لا حصر لها فإن القاضى مسئول بشكل كامل عن تأجيل الدعوى لأن القاضى صاحب الشخصية القوية لا يسمح للمحامى بالتلاعب، فعلى سبيل المثال في حال عدم حضور الخصم في قضية ما وكرر ذلك في الجلسة التي تليها على القاضى أن يحكم فيها ولا يسمح بالتأجيل.

وحول نجاح بعض المحامين في التلاعب بالقانون وإخراج متهم من قضية قتل مثلا يؤكد السنوسى أن هناك قاعدة مهمة جدًا تبنى عليها الأحكام وهى أن “الإدانة تبنى على الجزم واليقين والبراءة تبنى على الشك والتخمين”، والشك هنا يكون لصالح المتهم وهو ما يستغله المحامى لتحقيق أهدافه.

وشدد السنوسى على ضرورة تعديل بعض النصوص القانونية والتفتيش وراء القضاة ذاتهم؛ لأن التأجيل يكون عن طريقهم بالأساس.
المحامى والخبير في الشئون القانونية، حسين واطن، أكد أن أبرز القضايا التي يتم فيها إطالة الأمد، هي قضايا الإيجار والإخلاء.

فهناك بعض المحامين ممن لا يمتثلون لميثاق شرف المهنة يعملون على عرقلة سير العدالة، فيمكن أن يتفق مثلًا مع بلطجية يمنعون تنفيذ الحكم لصالح الخصم ويمنعونه من دخول الشقة بعد البت في الحكم، أو يتم دفع الرشاوى لمعاون التنفيذ في قضايا مماثلة ليؤكد أنه ذهب ولم يجد أحدًا، وبالتالى يتم وقف التنفيذ ثم يتم إجراء “دراسة أمنية” تلزم الخصم بالذهاب للقسم التابع له وهناك حسب حظه وعلاقاته، مما يجعل القضية تؤجل عاما وعامين أو أكثر، وهذا يأتى ضمن العراقيل التي تطيل أمد النزاع.

وتابع حديثه قائلًا: “قضايا النزاع المدنى على قطعة أرض مثلا تعد ضمن القضايا التي يطيل فيها الأمد، فالمحامى يطلب إحالتها لخبير يكون أحد المهندسين التابعين لوزارة العدل، ولحين يذهب الخبير لوضع التقرير “موت يا حمار”، وحتى بعد كتابة التقرير، يتم الطعن فيه ليتم تشكيل لجنة ثلاثية أخرى، وهكذا ليتم إطالة النزاع لأطول فترة ممكنة”.

وأضاف: “قضايا الميراث أيضًا تندرج ضمن القضايا التي تخلق فرصة للمحامى أن يطيل أجل القضية، فضمن الألاعيب مثلًا في هذا الصدد أن يتم إخفاء عناوين الورثة، وتؤجل القضية حسب كل محكمة لأنه لا يوجد عنوان للورثة، هذا بالإضافة إلى أن قضايا التعويضات التي تستحوذ على نصيب الأسد في مجال القضايا طويلة الأجل”.

ولفت إلى أن من ألاعيب بعض المحامين الذين يترافعون عن قضايا قتل وينجحون في جلب البراءة إلى موكليهم هي الاعتماد على التزوير، فمثلًا يمكن للمحامى الحصول على مستند مزور يثبت به أن المتهم كان خارج البلاد أثناء حدوث واقعة القتل، والمحكمة هنا لها المستندات، رغم أنها في الشق الجنائى تعتمد على الإقناع أكثر من المستندات، وإذا فكر أحد بالطعن على المستند فعليه أن يثبت شواهد التزوير وهذا يحتاج مجهودًا ومدة طويلة.

ونوه إلى أن عقيدة واقتناع القاضى في القضاء الجنائى أمر مهم، فعلى سبيل المثال إذا تم القبض على شخص وبحوزته كيلوجرام هيروين وخضع لتحاليل وتبين أنه لا يدخن، ومن ثم تم التلاعب في الكمية وجعلها ربع كيلو جرام، فالمحامى يطلب إعادة وزن الكمية فيجد القاضى التباسًا في الكمية ويحصل المتهم على البراءة، والمحكمة هنا اقتنعت باستحالة حدوث الواقعة أو تصورها.

وأردف أن جرائم القتل بحر كبير فمثلا لو ضرب شاب شخصًا عمره 60 عامًا بواسطة عصا ومات، تتحول القضية من جناية إلى جنحة؛ لأن المحامى يعتمد على المسالك القانونية وهى أن العصا ليست أداة للقتل لذا تتحول القضية من جناية قتل إلى جنحة ضرب أفضى إلى موت وبدلًا من حصول المتهم على الإعدام يدان بالحبس فقط.

وتابع أن هناك مواد قانونية يستخدمها المحامى لصالحه، ففى قضية زنى وقعت مؤخرًا نجح الزوج في توثيق الواقعة بالصور والزوجة ضبطت متلبسة ولكنها حصلت هي وعشيقها على البراءة، لأن الزوج استفز لحظة الواقعة وطلق زوجته، وقدم البلاغ ضدها بعد الطلاق، ولأن القانون يشترط لو الزوج لو وجدها في حالة زنى وطلقها بعدها بساعة واحدة لا يحق له التقدم ببلاغ ضدها، وهنا الكثير من التشريعات التي ينبغى تغييرها على الأقل يعطى الزوج مهلة شهور العدة.

القاضى السابق في مجلس الدولة، محمد رفاعي، له رأى آخر وهو أن المهنة كلها قائمة على هذا النحو ورفض أن يسميها ألاعيب ولكن الوصف الأدق من وجهة نظره هو “إجراءات”، موضحًا أن كل المسألة قائمة على وعى محامى الطرف الآخر أو الخصم.
وأوضح أن المشكلات التي تعانى منها المهنة ترجع إلى أن عدد المحامين وصل إلى ما يقرب من المليون، فالمحامون أكثر من المتهمين، بالإضافة إلى نظام التعليم والدراسة الذي لا يجمع بين الأمور النظرية والعملية، وفى بعض الكليات لا يوجد تأهيل، كثيرون لديهم شهادات ومحصلتهم التعليمية صفر، فكل ذلك له بالغ الأثر في المهنة بالسلب، وهو ما أدى إلى الوضع الحالي.

وأشار إلى أن فكرة ضعف النفس لدى المحامى ليست حقيقية وإنما القانون هو من يحمى ذلك، فمثلًا القاتل إذا كشف لمحاميه أنه قتل بالفعل، لا يجوز للمحامى الإفصاح عن ذلك لأنه سر مهنى وإذا خالفه سيتعرض لمشكلات قد تصل إلى فصله من النقابة ولكن عليه الاعتذار عن القضية دون فضح موكله، ومسألة السر المهنى تطبق بقوة في أمريكا.

وشدد على أن كل الظاهرة قائمة على معيارين هما “الوعى والكفاءة”، ونجاح العملية تعتمد أيضًا على ذكاء البعض وغباء الآخرين، فمثلا لو محامى الخصم لا يعرف الأمور الخاصة بإعلانات الخصوم والطرف الثانى فاهم فهذا يعد كارثة لأن القضية سوف تؤجل لسنوات بالمحاكم.

ولفت إلى أن المسألة تحتاج أمورًا رقابية وفلترة للخريجين والاعتماد على الكفاءة، مشددًا على أنه لا يوجد ثغرات في القانون كما يعتقد الناس، مثلا النصوص الخاصة بالزنى ثابتة حددت العقوبات، المحامى يحاول تشكيك القاضى في أركان القضية من خلال ثبوت وقائع معينة، ولو نجح يرجع ذلك إلى أن التركيز يكون على المحامى فقط الذي يأتى ومعه قضية واحدة ذاكرها جيدًا على عكس القاضى الذي يكون أمامه مئات القضايا، هذا فضلًا عن أن القضاة لا يخضعون لدورات تدريبية، وأحيانًا يكون سكرتير الجلسة لديه خبرة أكثر من القاضى إذا عمل في المجال لمدة تصل إلى عقود، وخلص أنه لو طبق معيارى الوعى والكفاءة لن نجد كل ذلك.
الجريدة الرسمية