رئيس التحرير
عصام كامل

عدسات الصحفيين في مواجهة صواريخ الاحتلال.. رحلة أحمد خميس جاسر في تغطية حرب غزة.. استشهد والده أثناء عمله والتقط صورا لأقاربه في مجمع ناصر

المصور الصحفي أحمد
المصور الصحفي أحمد حسب الله ،فيتو

من بين ركام الدمار وأنين الجراح، تتجلى قصص الصمود والبسالة في ظل الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، وبينما تحلق طائرات الحرب في سماء غزة، وتتصاعد أعمدة الدخان من بيوت الأبرياء، يقف الصحفيون، بكل شجاعة وإصرار، يواجهون خطر الموت ليرويوا حكايات الظلم والقهر.


ويقف هؤلاء البواسل، بأقلامهم وعدساتهم، يتجاوزون الصعاب ويخوضون في كل ركن وزاوية من أرض فلسطين، لينقلوا للعالم حقيقة ما يجري هناك، فهم الصوت الذي لا يخمد، والعين التي لا تتغمد الغفلة، يتحدون الظلم بإلهام وإصرار، ويبقون مصدر إلهام وأمل لكل من يطمح للعدالة والحرية.



وتُجسّد قصة أحمد جاسر صمود الصحفيين في أصعب الظروف، ودورهم في تسليط الضوء على حكايات إنسانية من قلب الأزمات.

وأحمد خميس جاسر حسب الله ٣٠ عامًا من قطاع غزة مصور صحفي لصالح وكالة Getty images العالمية. 

في اليوم الأول، السابع من أكتوبر، هزّت الحرب أرجاء قطاع غزة، ولم يفهم أحمد ما يحدث، فاتجه إلى هاتفه، يبحث عن بصيص إضاءة وسط الفوضى، تصفّح مجموعات الصحفيين على واتساب، يسعى لفهم الأحداث وترتيب خطواته التالية.

ويحكي أحمد التفاصيل قائلا:  "في اليوم الأول للحرب ٧ أكتوبر، لم أكن أفهم ما حدث في القطاع، أمسكت بهاتفي الجوال لأتطلع الواتس أب وأتصفح المجموعات الخاصة بالصحفيين لمحاولة فهم ما يحدث وترتيب أموري وأشيائي للتحرك كصحفي لتغطية ما يحدث. بعد ساعة قمت بفحص جروبات الصحفيين مرة أخرى وترتيب أشيائي بشكل سريع لأكون جاهزًا للتغطية. أخذت معداتي وتوجهت على الفور إلى مستشفى الشفاء في محاولة لإيجاد بعض الزملاء الصحفيين وانتظرت بالمستشفى وكان هناك إطلاق صواريخ على غلاف غزة بشكل كبير". 

وأضاف أحمد خميس: “تفاجأنا بوصول جثامين لشهداء ومصابين إلى طوارئ مستشفى الشفاء وهذه كانت نقطة البداية.. هنا أدركت أنه لابد من البدء في عملي كصحفي وتغطية ما يدور، وكانت هناك صعوبة في الحصول على الإنترنت.. استوعبت ما يحدث في غلاف غزة وحاولت أن أضع في اعتباري كل ما يساعدني لكي أحافظ على حياتي والأخذ بمعايير السلامة المهنية، ولأننا تعودنا على كل تقوم المقاومة الفلسطينية بإطلاق صواريخ على الأراضي المحتلة نتوقع الرد الغاشم من الكيان الصهيوني، وأن تكون هناك جولة تصعيد لمدة أسبوع أو أسبوعين”.

 وتابع أحمد خميس: “بدأت بالتصوير ورجعت إلى منزلي لإرسال ما قمت بتصويره.. كان هناك الآلاف على حدود قطاع غزة وكان هناك الكثير من الاستهدافات للمباني في قطاع غزة في اليوم الأول من الحرب، تلقيت خبر استشهاد ابن خالي وكانت صدمة كبيرة بالنسبة لي، وكان أصعب موقف بالنسبة لي، قمت بعملي وتغطية الجنازة بدموعي.. أكملت العمل وأنا حزين من اليوم الأول للحرب وأنا بالشارع ولا أنام بمنزلي، وكنت أتنقل بين المستشفيات والأماكن داخل القطاع للتغطية الصحفية”.

بكل ألم يتذكر أحمد فيقول: “في اليوم الرابع أو الخامس جاءني اتصال هاتفي من الأهل بأنه تم قصف المربع السكني الخص بهم بشكل كامل في محيط منزلي وتضرر منزلي بشكل كبير بعد قصفه تلقيت الخبر بحزن ورددت في نفسي «ربنا يعوض» وأكملت عملي.. لم أفكر لحظة بالرجوع لمعاينة ما حدث بالمنزل بعد قصفه”.

وأضاف: "بعد أسبوع من الحرب طلب الاحتلال من سكان الشمال إخلاء المنطقة، وسيكون الجنوب منطقة آمنة للمدنيين، وسيكون الشمال منطقة قتال خطيرة وأنه يجب على السكان النزوح إلى الجنوب..  طلبت مني الوكالة التي أعمل بها النزوح إلى الجنوب حفاظًا على روحي والحصول على بعض الأمان والاستمرار في متابعة عملي.. لقد نزحت وبقيت عائلتي في الشمال إلى اليوم".

وتابع أحمد خميس: “أول محطة لي بعد النزوح كانت في مستشفى ناصر، واستقررت في محيطها كمصور صحفي وبعد فترة من تواجدي بالجنوب تفاجأت بدخول قوات الاحتلال بالدخول البري للقطاع وتم فصل الشمال عن الجنوب ومن بعد أول أسبوع في للحرب إلى اليوم لم أرَ أهلي.. كانت علاقتي بوالدي الله يرحم روحه ويغفر له مختلفة قليلا”.

 تنهد أحمد وتملكه الحزن وملأت عيناه الدموع وتحدث عن علاقته بوالده وقال إنه كان الداعم الأول له في حياته المهنية والبطل الأول في روايته  “كان دائما يساندني ويحثني علي الصبر والعطاء وعدم اليأس وأن ألقي حمولي على الله، وعند بداية مشواري المهني في عام 2015 كانت أول كاميرا أحملها هدية من والدي وكنت محتفظ بهذه الكاميرا إلى أن تم قصف الدار ولا  أعلم مصيرها الآن”.

وأضاف: "لقد رأيت الكثير من المشاهد المفزعة والمروعة والحزينة في هذه الحرب، لكن خبر استشهاد والدي كان كالصاعقة بالنسبة لي يوم 25 يناير، لقد استشهد والدي ولم أره منذ بداية الحرب ولم أودعه ولم أسمع صوته، لم أقبل رأسه للمرة الأخيرة، حرمت من أن أودعه وأبلغه السلام لكنه في قلبي".

أكمل كلامه بالحمد والثناء على الله بهذا التكريم ومنزله والده مع الشهداء، وأكد أن والده استشهد عندما كان يحاول أن يوفر كيسا من الطحين لأهل بيته وكان حينها صائمًا لأنه كان يداوم على صيام يومي الإثنين والخميس منذ عشرين عاما، ولأنهم من سكان الشمال فما زالت المساعدات لا تصل لأهل الشمال بالقدر الذي يجعلهم أحياء.

وأشار أحمد إلى أن والده استشهد بطلقة من قناص إسرائيلي.. دخلت من الصدر وخرجت من الناحية الأخرى “أنا مش زعلان أنا فخور به لأنه يستحق حسن ختامه هذا، وبعد استشهاد والدي زادني هذا الخبر إصرار وتحدي لاستكمال مهام عملي لأجعله فخور بي وبعملي لأني أأخذ منه القوة دائما.. وهو أكيد مبسوط بالحال الذي أنا عليه الآن”.

وقال أحمد: “أما عن تجربتي المهنية وأصعب المشاهد التي وثقتها في هذه الحرب وهي الحرب الأشرس على القطاع فكان هناك الكثير من الاستهدافات المباشرة للصحفيين والتي خلفت الكثير من الشهداء والمصابين من الصحفيين وهذا ليس بجديد على قوات الاحتلال لأنها لا تحترم لا صحفي ولا مسعف ولا نساء ولا أطفال ولا عجائز ولا جماد ولا حيوان ومن أصعب المواقف والتغطيات التي قمت بها كانت عندما تم قصف منزل خالي بعد نزوحه للجنوب بحكم عمله كطبيب وكان على رأس عمله بالمستشفى وتم قصف منزله حيث كان يقوم بالترتيب للنزوح إلى رفح بعد ما كان قد نزح إلى خان يونس في المرة الأولى وبحكم عملي بعد ما أسمع صوت الاستهدافات أتوجه مباشرة إلى المستشفى لتصوير الحرجى والشهداء”.

وأضاف: "كنت حينها في مجمع ناصر الطبي بخان يونس، لقد تفاجأت بأن المصابين والشهداء هم أهلي.. تركت عملي وذهبت لأطمئن عليهم رأيتهم جميعا مصابين وبعد بضع ساعات استشهد ابن خالي وكان موقفا صعبا جدا بالنسبة لي.. كنت أوثق مراسم التشييع والدموع تنهمر من عيني كالشلال واصرخ حزنًا على فراقه وأنا أصور ما يحدث.. كنت أتمنى أن أصوره وهو عريس لكن شاءت الأقدار أن أصوره وهو شهيد".

وتابع: "هناك موقف آخر من أصعب مواقف التغطية.. كانت هناك طفلة صغيرة يحاول الأطباء إسعافها وكنت أصور هذه اللحظة حتى حضرت ام البنت وعلمت باستشهاد إبنتها وبدأت بالصراخ والبكاء تملكني حينا التجمد ولم أستطع السيطرة على أطرافي وكان إصبعي يضغط بقوة على الكاميرا وأقوم بالتصوير ولا أدري ما يحدث حولي حتى نبهني أحد أصدقائي بما أنا كنت فيه لم أستوعب الموقف وقتها.. كانت صورة مفجعة جدا وحتى هذه اللحظة كل ما أرى هذه الصورة يقشعر بدني وهذه الصورة قام فنان إيطالي برسمها ويريد المشاركة بها في معرض للوحات وهذه الصورة كانت مؤثرة له وقام برسمها".

وقال أحمد: “أما عن قصتي كشاب فلسطيني نازح وحالي من حال باقي الفلسطينيين في غزة كنت أنام أنا وزميلي على نفس الفرشة وأوقات أخرى على الأرض وبعد فترة كنت أنام على الرصيف بالشارع بين الأمراض والأوبئة والمخلفات والحشرات مثل حال أهالي القطاع ونمت بالسيارة الخاصة بالعمل أغلب أمراض الدنيا أصابتنا بعد انقطاع الغاز عن القطاع.. لم نستطع أن نجد الخبز لنأكله كنت أقف بالطابور للحصول على الخبز الذي يتم صنعه على فرن من الطين ولا أعلم هل من الممكن أن أحصل على الخبز أم لا ولكني إذا حصلت على الخبز لم أجد ما أضعه بداخله فأضطر لأكله فارغًا لأتمكن من الوقوف على قدمي”.

وأضاف: "كنت أفكر دائما هل سأقف بالطابور أم لا لأنه من الممكن أن لا أحصل على الخبز لعدم وجود الطحين.. كنت أقف بالطابور أيضا للدخول لدورة المياه ويقف أمامي خمسين فردا على الأقل وعند وصولي للحمام لم يكن لدي متسع من الوقت سوى دقيقة أو دقيقتين لأفسح الطريق لباقي الناس".

ونقدم لكم من خلال موقع "فيتو"، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم، أسعار الدولار، أسعار اليورو، أسعار العملات، أخبار الرياضة، أخبار مصر، أخبار الاقتصاد، أخبار المحافظات، أخبار السياسة، أخبار الحوادث، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي، الدوري الإيطالي، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا، دوري أبطال أفريقيا، دوري أبطال آسيا، والأحداث الهامة والسياسة الخارجية والداخلية، بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. 

الجريدة الرسمية