رئيس التحرير
عصام كامل

على هامش وداع العمدة صلاح السعدني

فجعت كما فجع جمهور العملاق الراحل، الفنان القدير صلاح السعدنى، عمدة الفن الأصيل، بنبأ وفاته، الذى اجتر علينا ذكريات الطفولة، واسترجعنا معه شريطا من لحظات الدفء فى كنف الأب والأم، مساء ليلة رمضانية على مقهى ليالي الحلمية.

 

ولكون الصديقة العزيزة الكاتبة شيرين سيف الدين، من المقربات إلى أسرة الفنان الراحل، وخاصة ابنته وزوجته الفاضلتين، فحينما أخبرتها بحبي الشديد لهذا الفنان الراقى الذى ظل يحترم تاريخه وجمهوره ولم يقبل أبدا على نفسه أن يقوم بأداء دور يتنافى مع قيمه الفنية، أخبرتنى بإيجاز عن رقى هذا الفنان الأب الذي كانت أسرته مثل أى أسرة مصرية محافظة على الأخلاق والقيم وأصول الدين الحنيف، وما كان هذا مستغربا على عمود من أعمدة بنيان الفن.

 

مقطع فيديو متداول عبر الفيس بوك، ويبدو فيه أحد الأشخاص الذى قال المعلقون إنه الفنان أحمد السعدنى نجل الراحل، وهو يمنع مجموعة من الأشخاص الملتفين حول سيارة دفن الموتى، من التصوير، ويبدو أنه احتد قليلا فيما بدا أنه هجوم لفظي على حملة الهواتف المحمولة.

 

وعلى عكس ما توقعت أن يكون هناك هجوم من جمهور المعلقين على الفيديو، على الفنان الشاب الذى كان فى أسوأ حالاته جراء وفاة والده، وجدت تضامنا وتقديرا لحالة الحزن لدى الفنان التى هي حالة أي منا ممن تعرض للوعة هذا الموقف وتجرع مرارته.. 

بل زاد عليه سخافات واعتداءات البعض على المساحات الشخصية، ونسيان حرمة المتوفى وإجلال موقف الموت، ومحاولات عبثية لأخذ اللقطة وإلقاء بعض الأسئلة غير المفيدة والتي لا تقدم مضمونا أو رسالة أو أى شيء سوى المزيد من التطفل على الحياة الخاصة لشخص قدره أنه اختار الفن طريقا.

 

فوجئت بأحدهم يستوقف سيارة نقيب المهن التمثيلية وهو ينطلق إلى اللحاق بالجنازة، ويبادره بسؤال:"امتى آخر مرة شفت الفنان الراحل؟"، فما كان من الرجل إلا أن صمت من دهشته وذكر الله، ثم انصرف فى هدوء.

 

ما الإجابة التى كان السائل ينتظرها؟ وما فائدتها؟ وما جدواها؟، فى هذا التوقيت الصعب على أسرة الفنان وزملائه، ولماذا يضطر بعض ناقلي الأخبار وملتقطو الصور، الشخصيات العامة إلى الخروج عن شعورهم، فى مواقف إنسانية، قد يكون الصمت فيها أفضل مئة مرة من الكلام ولغو الحديث.

 

بات الأمر يحتاج، كما طالبت الزميلة الصحفية هالة عبد اللطيف، إلى مدونة سلوك ملزمة تعمم على جميع المواقع الإخبارية والقنوات التلفزيونية، بمنع تصوير جنازات المشاهير، أو إجراء لقاءات صحفية خلالها، احتراما لموقف الموت أولا، واحتراما لأسرة المتوفى وذويه ثانيا.. 

 

وثالثا وأخيرا، احتراما لكرامة أبناء صاحبة الجلالة العريقة، التي بات غريبا عليها هذا النوع من السلوك المهني، خاصة بعد انتشار الهواتف المحمولة، وعدم احترام بعض الزملاء، للمشاعر أو ضغوط الفقد التى يعيشها أهل المتوفى، فيستفزونهم لتنفلت أعصاب بعضهم رغما عنهم، ثم يقولون فلان متكبر ومتعجرف.

 

 

تخيل لو كنت فى هذا الموقف العصيب وفوجئت بعشرات الأشخاص يلتفون من حولك ثم يسألونك أسئلة غير مجدية بالمرة، في حين تهمّ لحمل جثمان والدك أو والدتك أو أى من أحبابك، إذا لنراعي الحياة الخاصة للمشاهير فهم بشر مثلنا، وقدسية الموت أعظم وأجل من أى تريند أو ترافيك.

الجريدة الرسمية