رئيس التحرير
عصام كامل

تأملات في عيد الغطاس المجيد

كانت معمودية يسوع المسيح فى نهر الأردن على يد القديس يوحنا المعمدان.. وكلمة معمودية في أصلها اليونانى تعنى صبغة أو غطاس، وهذا يفيد أن المعمودية كانت بالتغطيس، حيث كانت هذه العادة عند اليهود، وهكذا يجب أن تكون متأصلة عند الطوائف المسيحية عبر العصور.


المسيح ليس فى حاجة للعماد كغيره من البشر، لسموه وقداسته، ولكنه تعمد ليتمم كل بر، فقال "لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر"، وهل القدوس البار وحده ينقصه أى بر يحتاج أن يكمله؟! بالقطع لا، ولكن القدوس البار هنا فى وضع نائب البشرية الذى جاء من أجل خلاصها، التى دنستها الخطايا والآثام.. 

 

وتعمد السيد المسيح نائبًا عن البشرية فى الدخول إلى معمودية التوبة، نزل المعمودية حاملًا خطايانا الكثيرة، فهو بالتالى يكمل البر للبشرية، إذ يخضع نفسه لمطالب الناموس والشريعة والوصايا، وكلمة بر تعنى تتميم مشيئة الله وإرادته، فالذى يتمم مشيئة الله هو إنسان بار.. 

 

وبر الإنسان المسيحى لابد أن يزيد عن بر الكتبة والفريسيين (متى 20:5). لقد أكمل السيد المسيح وبطاعته الكاملة لبر الناموس الطقسى أى الفرائض البشرية فى ذلك الحين، فكانت معموديته خطوة لابد من أخذها حتى يتمم هدف الله الصالح بأكمله، ومع أنه لم يحتاج إلى توبة، ولم تكن عنده خطايا ليعترف بها، ولكن قصد أن غرض الله الأزلى، فقال "أسمح الآن لأنه هكذا يليق أن نكمل كل بر" (متى 15:3). 

ما أعظم هذا الأتضاع للسيد المسيح أن يستسمح العبد يوحنا المعمدان لكي يمارس عمله، والعبد يتصاغر جدًا أمام هذا الوديع المتواضع القلب (متى 29:11). والعبد يقوى أن يرفع يده على رأس سيده المسيح ويعمده، والسيد يشجعه لكى يعمده قائلًا "لآنه هكذا يليق  بنا أن نكمل كل بر"، وأنه قد فعل هذا كنائب عنا.. 

 

وعند امتناع يوحنا أن يعمد المسيح فى البداية هذا دليلًا وبرهانًا على للاهوت المسيح، فقال أنا المحتاج أن أعتمد منك، مع أن يوحنا المعمدان كان قريبًا جدًا للمسيح حسب الجسد إلا أنه رأى فيه ما لم يره غيره من بر وقداسة، ونزول الروح القدس عليه فى شكل حمامة كألسنة نار، فالحمامة تمثل اللطف والوداعة والمحبة التى اتصفت بها المسيح له المجد فى عمله، وبها قدم نفسه فدية للجميع، أما الآلسن النارية فأنها تدل على أن وظيفة الرسل كانت لتأدية الشهادة بغيرة وحماس، وكان لابد من تطهيرهم ليليقوا برسالة الفداء.


معمودية يوحنا كانت بالماء لأجل التطهير والتوبة عن أفعال الخطايا عند اليهود، فيقول الكتاب "فى تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية" (متى 1:3). ماذا كان يكرز يوحنا المعمدان؟ لقد تكلم المعمدان عن الخطية ووجوب التوبة، وأن التوبة لا تنفع باللسان، بل بالثمار والأعمال الصالحة، ثم تكلم عن المسيح وأنه لا يستطيع أن يعمد إلا بالماء فقط.. 

 

ولكن يسوع سوف يعمد بالروح القدس ونار "أعمدكم بماء التوبة، ولكن الذى يأتى بعدى هو أقوى منى الذى لست مستحقًا أن أنحنى أحل سيورحذائه، هو سيعمدكم بالروح القدس ونار" (متى 11:3)، لذلك  تكلم عن الروح القدس، وأنه لا أحد يعطيه إلا بيسوع المسيح، وأنه لا يمكن الاكتفاء بعمل المسيح عنا، بل علينا أن نتقبل عمل الروح القدس فينا، ثم تكلم عن الأبدية أيضًا..

 

وأن هناك مكانًا للصالحين الأتقياء ومكانًا آخرللأشرار، وأنه لابد أن نتوب توبة حقيقية عن كل الخطايا ولا نترك وأحدة منها، لأن هذا يهين قداسة الله، ألا ترى أنها عظة المعمدان مليئة تحتاج إليها كل نفس.

 


أنفتحت السماء وصوت من الله قائلًا  "هذا هو إبنى الحبيب الذى به سررتُ" (متى 17:3). فهل نزول الروح القدس على المسيح أثناء عماده على يد يوحنا المعمدان هو السبب في نزوله؟ لم يكن العماد هو السبب فى نزول الروح القدس، بل أن الروح القدس عليه بصفة روحية  مستمرة على الدوام منذ البشارة بولادته، ولكن لما نزل إلى الماء المنظورأراد الثالوث القدوس أن يعلن ذاته بصفة منظورة حتى يرشد العقول البشرية لتلتفت إلى مخلص العالم يسوع المسيح له المجد.   

الجريدة الرسمية