رئيس التحرير
عصام كامل

العدو والخائن والجزار

قال‭ ‬موجها‭ ‬كلامه‭ ‬للعرب:‭ ‬إذا‭ ‬أرادوا‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مصالحهم‭ ‬فليصمتوا.. ‬فصمتوا‭ ‬جميعا.. ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬تحذير‭ ‬نتنياهو،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬موقف‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬كلامه‭..‬ صمت‭ ‬الجميع‭ ‬ولم‭ ‬يتكلم‭..‬ أكمل‭ ‬نتنياهو‭ ‬حديثه‭ ‬المفعم‭ ‬بالدم‭ ‬والقتل‭ ‬والتدمير‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬يكمل‭ ‬طريق‭ ‬أجداده‭ ‬إمعانا‭ ‬في‭ ‬الخراب‭.‬


العواصم‭ ‬العربية‭ ‬الرسمية‭ ‬تطالب‭ ‬مثل‭ ‬‮‬الولايا‬‭ ‬بأن‭ ‬يتوقف‭ ‬قتل‭ ‬الأطفال‭.‬. فقط‭ ‬يطالبون‭ ‬مثلنا‭ ‬نحن‭ ‬المواطنين‭ ‬العزل‭..‬ نحن‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬نملك‭ ‬من‭ ‬أمرنا‭ ‬شيئا‭ ‬فقد‭ ‬ملكوا‭ ‬أمرنا‭ ‬بالنار‭ ‬والسلاح‭..‬سيطروا‭ ‬على‭ ‬إرادتنا‭ ‬وسلبوها‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬الديكتاتوريات‭ ‬المتمددة‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬تاريخنا‭ ‬البعيد‭.‬


وأنت‭ ‬أمام‭ ‬الشاشات‭ ‬ترى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يرى‭..‬ترى‭ ‬بقايا‭ ‬الأطفال‭ ‬تتطاير‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬وأخرى‭ ‬تقبع‭ ‬تحت‭ ‬المطر‭ ‬والنار‭ ‬وشتاء‭ ‬قارس‭ ‬يأكل‭ ‬أجساد‭ ‬الرضع،‭ ‬يسري‭ ‬في‭ ‬أبدانهم‭ ‬الضعيفة‭ ‬لا‭ ‬يجدون‭ ‬ما‭ ‬يدفئهم‭ ‬إلا‭ ‬قنبلة‭ ‬تخلصهم‭ ‬من‭ ‬عار‭ ‬أمتهم‭ ‬ومن‭ ‬عار‭ ‬إنسانية‭ ‬لم‭ ‬تبرح‭ ‬مواقعها‭ ‬منذ‭ ‬العصر‭ ‬الحجري‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭.‬


وأهل‭ ‬الضفة‭ ‬وحكامهم‭ ‬ممن‭ ‬ارتضوا‭ ‬السلام‭ ‬طريقا‭ ‬لا‭ ‬يحصلون‭ ‬على‭ ‬إذن‭ ‬من‭ ‬المحتل‭ ‬بأن‭ ‬يتحركوا،‭ ‬أما‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬العربية‭ ‬فقد‭ ‬تجمدت‭ ‬في‭ ‬مواقعها،‭ ‬وخشيت‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬صوتا،‭ ‬وقد‭ ‬طالبهم‭ ‬بأن‭ ‬يصمتوا‭ ‬فصمتوا‭ ‬صوتا‭ ‬وحركة،‭ ‬وظلوا‭ ‬يطالبون‭ ‬كما‭ ‬نطالب‭.‬


خرجت‭ ‬تظاهرة‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الأردنية‭ ‬عمان‭ ‬تردد‭ ‬يا‭ ‬للعار‭..‬ يا‭ ‬للعار‭..‬ باعوا‭ ‬غزة‭ ‬بالدولار،‭ ‬وحديث‭ ‬يدور‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬حول‭ ‬بيع‭ ‬القضية‭ ‬وتجارة‭ ‬أربعة‭ ‬عواصم‭ ‬عربية‭ ‬ستقبض‭ ‬ثمن‭ ‬التهجير‭ ‬وإفراغ‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬التاريخية‭ ‬من‭ ‬سكانها‭ ‬ليناموا‭ ‬فى‭ ‬صمت‭ ‬مطبق‭ ‬طلبا‭ ‬لرضا‭ ‬السيد‭ ‬الصهيونى‭ ‬في‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭.‬

خيانات عربية


تاريخيا‭ ‬كنا‭ ‬نقرأ‭ ‬عن‭ ‬الخيانات‭ ‬العربية‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬القضية،‭ ‬ولم‭ ‬نكن‭ ‬ندري‭ ‬أن‭ ‬الخيانة‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬الجينات،‭ ‬وأن‭ ‬الفارق‭ ‬الزمني‭ ‬بين‭ ‬نكبة‭ ‬‮84‬‭ ‬وبين‭ ‬نكبة ‭ 2023‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سوى‭ ‬سنوات‭ ‬عاش‭ ‬فيها‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‭ ‬وهم‭ ‬الاستقلال‭ ‬والتحرر‭ ‬والشعارات‭ ‬الرنانة‭ ‬التي‭ ‬ثبت‭ ‬مع‭ ‬أكتوبر‭ 2023 ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬إلا‭ ‬كلمات‭ ‬جوفاء‭.‬


هل‭ ‬سنحكي‭ ‬لأطفالنا‭ ‬الباقين‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬والذين‭ ‬سيكملون‭ ‬طريق‭ ‬العيش‭ ‬مع‭ ‬ذات‭ ‬النماذج‭ ‬الحاكمة‭ ‬بأمر‭ ‬الله‭ ‬والباقية‭ ‬على‭ ‬صدر‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬الخائنة‭ ‬بطبعها‭ ‬وبجيناتها‭ ‬وبكل‭ ‬مكونات‭ ‬الإرث‭ ‬التاريخى‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬الحديث؟‬

 

هل‭ ‬يكمل‭ ‬الليل‭ ‬طريقه‭ ‬في‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬ظلام‭ ‬يحيط‭ ‬بشعوب‭ ‬الأمة؟‭ ‬وهل‭ ‬نقول‭ ‬لهم‭ ‬إننا‭ ‬كنا‭ ‬ولعقود‭ ‬طويلة‭ ‬حلفاء‭ ‬للشيطان‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬واشنطن؟‭ ‬هل‭ ‬آمنا‭ ‬به‭ ‬صاحب‭ ‬الحل‭ ‬وأن‭ ‬كل‭ ‬أوراق‭ ‬اللعبة‭ ‬فى‭ ‬يده‭ ‬وليس‭ ‬فى‭ ‬يد‭ ‬غيره؟‭ ‬هل‭ ‬آمنا‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬مالك‭ ‬أوراق‭ ‬الحل‭ ‬فهو‭ ‬وحده‭ ‬مالك‭ ‬أوراق‭ ‬اللاحل؟‭ ‬

 

هل‭ ‬أدركنا‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬وبعد‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬أننا‭ ‬نحارب‭ ‬عدوا‭ ‬ليس‭ ‬فى‭ ‬تل‭ ‬أبيب؟‭ ‬هل‭ ‬أيقنا‭ ‬أن‭ ‬عدونا‭ ‬الوحيد‭ ‬هو‭ ‬الشيطان‭ ‬القائم‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض؟‭ ‬هل‭ ‬عرفنا‭ ‬أن‭ ‬عدو‭ ‬الأمة‭ ‬هى‭ ‬أمريكا؟‭ ‬وهل‭ ‬تعلمنا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬الصين‭ ‬ولا‭ ‬روسيا‭ ‬ولا‭ ‬أوروبا‭ ‬تملك‭ ‬أن‭ ‬تحل‭ ‬لنا‭ ‬ما‭ ‬استعصى‭ ‬علينا‭ ‬وأن‭ ‬علينا‭ ‬وحدنا‭ -‬ووحدنا‭ ‬فقط‭- ‬أن‭ ‬ندير‭ ‬الأمر‭ ‬وأن‭ ‬نقاتل‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬سلام‭ ‬بالاستسلام؟


هل‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬مسامعنا‭ ‬أن‭ ‬الخيانة‭ ‬ليست‭ ‬جينا‭ ‬نتوارثه‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬نبت‭ ‬شيطاني‭ ‬للديكتاتورية؟‭ ‬نعم،‭ ‬فالخيانة‭ ‬هي‭ ‬الابن‭ ‬الشرعي‭ ‬لكل‭ ‬حاكم‭ ‬يصور‭ ‬لنا‭ ‬أنه‭ ‬جاء‭ ‬بأمر‭ ‬السماء،‭ ‬وأن‭ ‬الاحتلال‭ ‬ليس‭ ‬فى‭ ‬فلسطين‭ ‬وإنما‭ ‬يقبع‭ ‬على‭ ‬عواصمنا‭ ‬العربية‭ ‬كلها‭..‬ نعم‭ ‬فالمحتل‭ ‬الجديد‭ ‬وطنى‭ ‬خالص،‭ ‬ومن‭ ‬جلدتنا،‭ ‬ويحمل‭ ‬نفس‭ ‬ملامحنا‭.‬


هل‭ ‬نعلم‭ ‬أبناءنا‭ ‬الصمت‭ ‬باعتباره‭ ‬فضيلة‭ ‬فرضها‭ ‬علينا‭ ‬إله‭ ‬القتل‭ ‬في‭ ‬تل‭ ‬أبيب؟‭ ‬وهل‭ ‬نقول‭ ‬لصغارنا‭ ‬إن‭ ‬الصمت‭ ‬على‭ ‬الاحتلال‭ ‬وعلى‭ ‬القتل‭ ‬وعلى‭ ‬الخراب‭ ‬هو‭ ‬فرض‭ ‬عين‭ ‬وأن‭ ‬جهادنا‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭ ‬صبرا‭ ‬على‭ ‬الوقوف‭ ‬في‭ ‬طوابير‭ ‬السكر‭ ‬والدقيق‭ ‬والزيت‭ ‬والسجائر؟! ‬

 

هل‭ ‬نقول‭ ‬لأبنائنا‭ ‬إن‭ ‬أشقاءكم‭ ‬الصغار‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬نالوا‭ ‬الشهادة‭ ‬وإنهم‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬الجنة‭ ‬وإن‭ ‬العبور‭ ‬إلى‭ ‬الجنة‭ ‬لا‭ ‬يكتمل‭ ‬إلا‭ ‬قتلا‭ ‬تحت‭ ‬القصف‭ ‬الصهيونى‭ ‬المبارك؟‭!‬ نعم،‭ ‬فهو‭ ‬مبارك‭ ‬من‭ ‬عواصمنا‭ ‬الرسمية‭ ‬التى‭ ‬صمتت‭ ‬طلبا‭ ‬للشهادة‭ ‬ودفعا‭ ‬لأبنائنا‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬إلى‭ ‬الجنة‭.‬


أي‭ ‬حلم‭ ‬هذا!‭ ‬وأي‭ ‬نبل‭ ‬هذا‭!‬ وأى‭ ‬تضحيات‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬عواصم‭ ‬لا‭ ‬تزخر‭ ‬إلا‭ ‬بالقصور‭ ‬الفارهة‭ ‬وحكماء‭ ‬يوفرون‭ ‬لشعوبهم‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬الجنة.. ‬نعم‭ ‬فالطريق‭ ‬إلى‭ ‬الجنة‭ ‬لا‭ ‬يمر‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬الصمت‭ ‬وانتظار‭ ‬قنابل‭ ‬أمريكية‭ ‬الصنع‭ ‬ويلقى‭ ‬بها‭ ‬مجرمو‭ ‬العصر‭ ‬في‭ ‬عاصمة‭ ‬النبل‭ ‬الإنسانى‭.‬


وكيف‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نغضب‭ ‬من‭ ‬نتنياهو‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬بايدن،‭ ‬فكلاهما‭ ‬يسهر‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬كل‭ ‬صنوف‭ ‬القنابل‭ ‬والصواريخ‭ ‬التى‭ ‬تذهب‭ ‬بنا‭ ‬سريعا‭ ‬إلى‭ ‬جنات‭ ‬الفردوس‭ ‬وتنقلنا‭ ‬من‭ ‬دنيا‭ ‬ليست‭ ‬إلا‭ ‬دارا‭ ‬للشقاء‭..‬إن‭ ‬كليهما‭ ‬يمهدان‭ ‬الطريق‭ ‬لأبنائنا‭ ‬هناك‭..‬ ينقلونهم‭ ‬من‭ ‬خانة‭ ‬العيش‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬الديكاتوريات‭ ‬إلى‭ ‬جنات‭ ‬عرضها‭ ‬السموات‭ ‬والأرض‭.‬

 


هل‭ ‬نعلم‭ ‬أولادنا‭ ‬أن‭ ‬ينتظروا‭ ‬الموت‭ ‬صمتا‭ ‬وأن‭ ‬يصبروا‭ ‬على‭ ‬الحكام‭ ‬صمتا‭ ‬وأن‭ ‬يوقنوا‭ ‬أن‭ ‬الجهاد‭ ‬صمتا‭ ‬هو‭ ‬الجهاد‭ ‬الأعظم؟‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬من‭ ‬قصف‭ ‬لا‭ ‬هدف‭ ‬له‭ ‬إلا‭ ‬تخليص‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬وطأة‭ ‬المحتل‭ ‬الوطنى‭ ‬ونقله‭ ‬سريعا‭ ‬إلى‭ ‬السرمد‭ ‬وإلى‭ ‬الأبد‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬نصب‭ ‬فيه‭ ‬ولا‭ ‬تعب؟‭!‬
هل‭ ‬نفتتح‭ ‬الحصة‭ ‬الأولى‭ ‬صباح‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬بثلاثى‭ ‬الموت‭ ‬في‭ ‬الأرض.. ‬العدو‭ ‬الأمريكى‭ ‬والخائن‭ ‬العربى‭ ‬والجزار‭ ‬الصهيونى؟‭!‬

الجريدة الرسمية