رئيس التحرير
عصام كامل

المحتوى الدرامي المفقود في حرب الوعي

يمكن ملاحظة الاهتمام باحتفالات النصر على العدو الإسرائيلي في حرب أكتوبر عام 1973، وهى احتفالات زادت عما جرى العرف عليه في بضع سنين ماضية، وهناك أسباب لزيادة الاهتمام وإظهار الحفاوة المستحقة للأبطال الأحياء منهم والشهداء، ومن أبرز هذه الدواعي أن إسرائيل ضاعفت نغمة الإنكار، كانت تردد على استحياء أنها انتصرت، ورددت معها أقلام أمريكية وغربية هذه الأكذوبة.

 

لكنها هذا العام بالذات وبعد مرور نصف قرن على إلحاق الهزيمة بالجيش الذي لا يقهر، صنعت موقعا خاصا لبث وثائق الحرب وأفرجت عن شهادات وفيديوهات ومراسلات وقصص وصور لمعارك وشخوص كانت قادة تلك الحقبة، في محاولة لسرقة النصر المصرى المبين، وتحويله إلى نصر عسكرى لإسرائيل يتغنى به جيلها الشباب من المتطرفين الجدد. 

 


ما يهمنا في احتفالات الأمس أن الإعلام كان البطل الذي لولاه ما عرف الناس قيمة ما قدمه جيل السبعينيات وما قبلها من تضحيات هائلة، وحين يكرر رئيس الجمهورية لفظة الوعي فهى ليست بضعة حروف، ولكنها طلقة تنوير وإضاءة مفقودة ومفتقدة، لأن مضاد الوعي هو التخلف والجهل، وكلاهما يجعلان المواطن قابلا للخديعة والاستعمال، وهو ما يطلق عليه في الدراسات النفسية القابلية للاستهواء، أي استمالته وفق الأجندة وأهدافها. 


الاحتفالية التى امتدت لخمس ساعات تقريبا كان الإعلام هو ناقل ما جرى قبل نصف قرن، وفي هذه الساعات الخمس كنت تؤكد للإعلام الاسرائيلي الذي يحاول سرقة انتصارك أننى أنا المنتصر وأنت المهزوم.

 

تكثيف الدراما الوطنية


وبينما نفعل ذلك بحرفية لا يجوز إنكارها اليوم، فإن الشباب المصرى تلقى جرعة وطنية رائعة هزت المشاعر وأثارت أحاسيس العزة والفخر فيه، فضلا عن إثارة ذكريات جيلنا ممن شارك وعاصر الحرب المجيدة.. ومن هنا نبنى على ما صنعه الإعلام أمس، فأدعو إلى زيادة الجرعات الوطنية، من أغان، ومن لقاءات مع القادة، ومع العظماء، ومع الجيل العسكرى الحالي، لتكون العسكرية المصرية بتضحياتها نموذجا تتطهر به النفوس، ويتعمق الانتماء.

 

سيقول البعض إن هذه دعوة لعسكرة البلاد، والابتعاد عن الحياة الطبيعية، وهذا افتئات على المقصود الحقيقي.. نحن ندعو إلى دراما وطنية مستلهمة من حياة القادة والجنود، وقبل أيام روى اللواء الدكتور سمير فرج كيف أن الشئون المعنوية، وكان مديرها وقتئذ، جهزت كل الامكانيات لتحويل النص الدرامي الذي كتبه الراحل الكبير أسامه أنور عكاشة إلى فيلم ضخم بإنتاج ضخم. 

 

لولا حملة قادتها أخبار اليوم على أساس أن عكاشة ناصري وسيتجه بالهدف نحو الناصريين، فتجمد المشروع، والأن وبعد كل هذه السنين الضائعة، يحق للمصريين أن يشاهدوا ليس فقط الفيلم المعطل الذي كتبه أدم الدراما العربية أسامه أنور عكاشة، بل أيضا تحويل روايات عديدة ملهمة عن حرب أكتوبر بل عن حرب يونيو إلى افلام ومسلسلات.

 

واستكتاب القمم المركونين في بيوتهم من كتاب السيناريو المصريين، وأذكر أن رواية دوي الصمت كانت مرشحة للإنتاج وقت الراحل ممدوح الليثي.. نحتاج عشرات الأفلام والمسلسلات التى تحكي عن التضحيات والمعجزات وشجاعة الجندي والأب والأسرة المصرية. 


لا تزال هوليود تنتج أفلاما عن محرقة اليهود، بعد أكثر من سبعين عاما، ولن يتوقفوا، لأنهم يريدون إبقاء الوعي بقضيتهم مستمرا جيلا بعد جيل.. لا شيء جديدا في كل احتفالاتنا بأكتوبر من أغان أو دراما، نستدعي الاغاني الرائعة، بسم الله.. الله أكبر، ونستدعي الرصاصة لا تزال فى جيبي، وبدور وأبناء الصمت.. وثاني يوم نقلب على مسلسلات المخدرات والعصابات والتفسخ الأسرى والشباب المخدَّر.


لابد من إعادة النظر في المحتوى الدرامي، والتركيز علي الأعمال الدرامية الوطنية جنبا إلى جنب مع الأعمال الاجتماعية.. ولعشاق البلطجة اعملوا لهم عملا واحدا يشبع فيهم العنف الغبى الممجوج طالما هم مرضى والبلطجة طعامهم.

 


الإعلام ليس مذيعا يقدم فحسب، بل منظومة مبنية على استراتيجية متكاملة الأركان، أهدافها واضحة وسياسات تحقيق الأهداف محددة، والإمكانيات مقررة.. عندئذ سنحصل على مواطن فاهم وواع وعاشق لبلده لا يغويه مال ولا شريط مخدر.

الجريدة الرسمية