رئيس التحرير
عصام كامل

مغامرة تعطيل الصندوق

بين أوراق قديمة قضيت ليلة تزاحمني فيها إرهاصات وظنون وبعض  أفكار حول تطور نظم الحكم في البشرية تقول سطورها إن الحاصل في العالم الآن طرفى نقيض ومعادلة يصعب أن تتعايش مع بعضها بعضا، أو أن تتماسك لتصبح نموذجا إنسانيا حاسما لطريقة حكم البلاد والعباد.


تطورت البشرية مثلما تطورت عائلاتنا، ففي الماضى غير البعيد كان الأب هو الحاكم بأمره في المنزل وبعده الشقيق الأكبر الذي كنا نتصور أنه يحظى بمكانة عند الأب تجعل من كلمته هي العليا علينا جميعا، ومع تطور التعليم احتفظ الأب بمكانة الهيبة وبعض القداسة، وتبدلت المواقف ليصبح الأب مرشدا وليس حاكما ديكتاتوريا كما كان.


البشرية تطورت وتغيرت نظريات العقد الاجتماعى بين الحاكم والمحكوم ودفعت الإنسانية أثمانا باهظة من الأرواح ومن الدماء حتى وصلت إلى اختراع الصندوق، نعم الصندوق الذي ندفع فيه بآرائنا على أوراق حول اختياراتنا لمن نريده حاكما لنا وعلينا.

الطريق إلى الصندوق


والحاكم بموجب الصندوق هو شخص ارتأى في نفسه أنه قادر على إدارة شئون البلاد والعباد ومن حق الناس أن تصدر قرار تكليف له يمنحه حق الإدارة، والناس في هذا النظام هم أصحاب القرار ويتحملون مسئوليات اختياراتهم ولا يحق لأحد أن ينازع من وقع عليه الاختيار في الحكم.


والحاكم لا يحكم وفق مزاجه الشخصى أو وفق أحلامه أو أوهامه أو وفق خيالاته، إنما تحكمه قواعد وقوانين ومؤسسات تراقب أداءه من المؤسسات الشعبية والمؤسسات النيابية، وبعد انتهاء فترة الاختيار يعود الناس إلى الصندوق.. نعم إنه ذلك الاختراع السحرى الذى حمى البشرية من الصراعات والفوضى.


وفي الطريق إلى الصندوق مجموعة من المعايير والقوانين التي تحكم طريقة الوصول إليه وطريقة عمله، فمن عطل الصندوق فكأنما فتح أبواب الفوضى على مصارعها.. سيتحول الناس الذين كان دورهم كتابة رأيهم بقلم على ورقة إلى أناس يحملون كل ما يؤذى الوطن والمواطن نفسه.


تعطيل عمل الصندوق كأنه محاولة إيقاف شلال مياه طبيعى بوضع أحجار في طريقه، سيثور الشلال وتندفع المياه خارج مسارها لتصبح قنبلة تأكل كل ما يواجهها حتى لو كان استقرار الوطن أو أمنه أو مستقبله، وتعطيل الصندوق جريمة في حق الشعوب كما أن تعطيله لن يمنع الجماهير من الوصول إليه مرة أخرى ولكن بالدم.


حروب طاحنة قتلت الملايين من الأوربيين حتى وصلوا إلى الصندوق، فكانت التنمية والاستقرار وسيادة العالم، وحرب أهلية أنهكت القارة الجديدة حتى استفاقت أمريكا لتصل إلى الصندوق فتصبح واحدة من الأمبراطوريات الكبرى ونموذجا للحرية مهما كانت تحفظاتنا.

 


الصندوق يا سادة هو رمز سيادة الشعوب وهو الهدف والغاية التي بها نحقق الغايات وننتقل من خانة القبائل المتوحشة المتخلفة إلى خانة الإنسانية بكل ما فيها من معان عميقة وجاذبة وهادفة.. لا تعطلوا الصندوق حتى لا نفيق على كارثة يدفع ثمنها وطن يعانى من مغامرات تعطيل الصندوق.

الجريدة الرسمية