رئيس التحرير
عصام كامل

ملك الكتابة الساخرة.. هل يتكرر؟!

هل جف نهر الكتابة الصحفية الساخرة في صحافتنا. ولماذا لا تتكرر ظاهرة  أحمد رجب أشهر كاتب صحفي ساخر أنجبته المحروسة والذي غيبّه الموت قبل 9 سنوات وتحديدا في  سبتمبر 2014.. ترى لو عاد أحمد رجب ورفيقه مصطفى حسين للحياة هل كانا سيجدان لهما مكانا في عالمنا؟! 


لقد رحل أحمد رجب بجسده لكن بقيت روحه وفلسفته وأسلوبه الصحفي العبقري الذي تجسد بقوة غير مسبوقة في زاويته الأشهر "نص كلمة" التي عكف على كتابتها بانتظام بضعة عقود على صفحات جريدة الأخبار وأخبار اليوم.. حتى أنه ألّف شخصيات كاريكاتيرية منها فلاح كفر الهنادوة ومطرب الأخبار.


"نص كلمة" اكتسبت الخلود من عبقرية صاحبها؛ عبقرية تلك السطور الساخرة لا تزال محط اهتمام السوشيال ميديا التي يتداولها المتابعون على شبكات التواصل الاجتماعي سواء بإعادة كتابتها مرة أخرى أو نشر صور من النسخة المطبوعة لأخبار اليوم..

تجربة صحفية فريدة

 

فقد كانت "نص كلمة" الأجرأ والأعلى سقفا في انتقاداتها للمسئولين ولمظاهر الفساد.. كانت تنم عن رؤية عميقة لصاحبها  بكلمات قليلة؛ لكنها عميقة التأثير ارتبط بها القراء وانتظروها بشغف لا حدود  بما انطوت عليه من نقد ساخر وجريء خرج عبر شخصيات كاريكاتورية شهيرة جاذبة، اخترعها أحمد رجب وجسدتها ريشة رفيق تجربته الصحفية الفريدة رسام الكاريكاتير مصطفى حسين الذي تصادف أنه رحل في الشهر ذاته الذي توفى فيه رفيقه أحمد رجب الذي بدأت علاقتهما في يناير 1974.


ولعل من تابعوا هذه التجربة الرائدة يذكرون كيف كانت رسومات أحمد رجب ومصطفى حسين الأسبوعية تثير الجدل وتغضب كبار المسئولين وقتها، بل ربما أثارت ما هو أبعد من ذلك لدرجة جرت عليهما المتاعب حتى كادت تتسب في فقدان أحدهما لحياته نظرًا لما تحويه من سخرية لاذعة لشخصيات لها سطوة ووزن كبير هنا وخارج هنا.


ورغم ما سطره رفيقا الدرب؛ أحمد رجب ومصطفي حسين من تجربة صحفية فذة رفعت توزيع الأخبار أيامها، فقد دبّ بينهما خلاف ووقعت قطيعة استمرت بضع سنوات سرعان ما عادا بعدها لاستئناف التجربة بنجاح منقطع النظير.. وكان الرابح الأكبر هو القارئ والصحافة وحرية الرأي والتعبير.


كان أحمد رجب صحفيًا شاملًا برع في الكتابة الساخرة لكنه أتقن أيضًا فنونًا صحفية أخرى بوأته مكانة رفيعة في بلاط صاحبة الجلالة؛ منذ عمل مراسلًا صحفيًا لمكتب أخبار اليوم بدءً من العام 1952.


ولا أنسى  أول خبطة صحفية لأحمد رجب في بداية مشواره المهنى، فقد أجرى حوارًا صحفيًا مهمًا أجراه مع أشهر قاضٍ في مصر حينها، وهو المستشار محمود عبداللطيف الذى كان حديث صحف العالم، باعتباره القاضي الذي ينظر فى قضية شبكة الجواسيس البريطانية، التي كشفتها الأجهزة المصرية، بعد العدوان الثلاثى على مصر، كما أنه القاضي الذي كانت تترصده جماعة الإخوان بعد أحكامه ضدهم فيما عرف بقضية السيارة الجيب واغتيال القاضي الخازندار..

 

 

في تاريخ الصحافة قامات ومبدعون يستحقون أن نسلط الضوء على مسيرتهم لتكون نبراسًا لأجيال لم تعاصرهم ولم تقرأ لهم، رغم أنهم كانوا صناع أمجاد صاحبة الجلالة التي كانت لا تكتفي بتلقى ونشر الأخبار، بل كان تشارك في صناعة الأحداث وتوجهات الرأي العام والرقابة الحقيقية على أداء الحكومة والبرلمان؛ فهي سلطة شعبية وهي عين الشعب وضميره الذي لا ينام.. متى نجد في صحافتنا أحمد رجب بروح العصر الذي تراجع كثيرا في الإبداع والعبقرية والروح المصرية الأصيلة؟!

الجريدة الرسمية