رئيس التحرير
عصام كامل

الاستهزاء ببتوع المعاشات

هل هناك زيادات جديدة في مرتبات أصحاب المعاشات مع أول سبتمبر؟ نعم وفقا لعناوين صحف ومواقع مصرية إعلامية، بل وروسية أيضا، هناك زيادة غدا أو بعد غد.. لكن لا. توقف. إذ لا زيادة في مرتبات أصحاب المعاشات وفقا لنصوص الخبر ذاته تحت العناوين السارة ذاتها لنفس الصحف والمواقع المصرية والروسية لا غدا ولا بعد غد!

 

كيف ذلك ؟ هو عليهم هين.. لأنه كذب وسخرية من الناس وبالناس.. الحق أن هناك جهات تتعامل مع بتوع المعاشات بطرق مضحكة مبكية، وقبل أن أتطرق لعرض هذه الأساليب المبكية الموسفة في التعامل مع كبار القوم في السن، وفي المقام، وفي المكانة وفي الفقر..

 

سنحدد هذه الجهات، ونبدأ بأولها وهي الحكومة التي منحها المعاشيون أعمارهم وشبابهم ووقتهم وفي نهاية المشوار اعطتهم فتات المال، وشخصيا خرجت من مؤسسة صحفية كبيرة المقام علي معاش قيمته ألف وخمسون جنيها بعد رحلة عمل طويلة طويلة طويلة...فيها ما فيها وعليها ما عليها!


الحكومة تصرف لأصحاب المعاشات علاوة سنوية وصلت إلى 15%؜ ومع الصرف، تنطلق في الخلفية وفي المقدمة موسيقى اعلامية تصويرية تهلل وتكبر، رغم أن المبلغ المضاف في المتوسط يشترى كيلو ونصف لحم، يعني يستحق موسيقى جنائزية!


كتر خيرها الحكومة، هذا ما في جيوبها، وهذا ما تستطيعه، ولأننا مازلنا نستمع إلى أصداء الموسيقى التصويرية، ولأن أعلى الآلات فيها صوتا وصخبا هي الصاجات والطبلة، فإن الجهة الثانية التي تتعامل مع أصحاب المعاشات معاملة الأطفال الذين لم يتكون لهم عقل بعد، أو أنهم شحبت عقولهم وباتوا لا يفهمون..

 

أقولها بكل أسى وبكل أسف وحزن.. نفر من رؤساء التحرير الحاليين، على رأس صحف ومواقع، لا أصدق أنهم يسمحون بنشر أخبار كاذبة، تجافي الحقيقة، وتخدع 11 مليون مواطن على المعاش ومعهم أسرهم..

معاش سبتمبر


الركن الرئيسي في مهنتنا قول الحقيقة، ولكي تنشرها على الملايين لابد أن تتأكد أولا أنها حقيقة، وإذا نشرتها وخالفت الحقيقة فإنك صحفي كداب. الصحفي الذي ينشر خبرا على خلاف الحقيقة، عمدا، هو صحفي كاذب ولابد من مساءلته مهنيا.. 

 

وفي تجربتي المهنية المتعددة على رأس ثلاث صحف على الأقل، تعاملت مع صحفيين زملاء وقعوا في خطأ نعرفه جميعا وهو التعجل بالنشر قبل التأكد، وكنت أعالج ذلك بالاعتذار والتصحيح ومؤاخذة النفس بالإيلام والزجر، وإذا تكرر خطأ الصحفي، مع إثبات سوء النية، صرفته ولا أتعامل معه!


ما معنى أن تنشر مواقع صحفية نحترمها أن أصحاب المعاشات سيصرفون مع مرتب سبتمبر المقبل مرتباتهم بالزيادة الجديدة التي قررتها الحكومة.. ويتم تداول الخبر من مواقع مصرية لا أريد ذكر اسمها الآن إلى مواقع مثل RT روسيا اليوم، وSputnik وكالنار ينتشر الخبر على السوشيال ميديا ويعلق كبار السن كبار الحاجة، كبار العوز، مستفسرين، فرحين..


ينفطر قلبك وتتحطم كرامتك، وتدمع عيونك، إذ تقرأ تعليقات أصحاب المعاشات، منهم من يفرح ومنهم من لا يصدق ويدخلون في اشتباك طرفاه مهاجم للحكومة ومعيط وزير المالية بالذات، ومتفائل منتظر من النملة قطرة سمن بلدي!


رحت اقرأ الخبر الذي لم أصدقه في البداية، واعتبرته وسيلة رخيصة لجذب القراءة، وفعلا تأكدت انه قديم، لكن العجيب أن البث وأن النشر استمر، مبشرا أصحاب العوز والحاجة، قصدي أصحاب المعاشات، بقبض معاشات سبتمبر بالزيادات الجديدة ! مصممون هم علي الكذب أم أنا الذي لم يفهم كيف يقرأ الخبر ويستوعبه!

 

والله قرأته مرات من العنوان المضلل للمتن الغبي المتكرر.. ذي الأخطاء النحوية والإملائية فضلا عن الركاكة، أنها الزيادة التي نصرفها منذ أبريل الماضي وحتى أبريل القادم.. كيف تفعلون بالناس هذا الفعل الشنيع؟ كيف تجعلوهم يبنون احلاما رغم ضآلة المبلغ، وكيف ترضون لأنفسكم الظهور بمظهر من سخر من الناس ومن خدع الناس ومن ضلل الناس؟


ماذا يكسب موقع إخباري أو جرنال إذا فقد مصداقيته لدى جمهوره؟ مهنتنا كلها رأسمالها الوحيد الأوحد الشرف، ولا شرف مع الخداع والكذب.. أتخيل المسئولين وهم يتابعون كيف تخدع صحف الناس وتكذب عليهم؟ كيف سيحترمك المسئولون، بل كيف ستواجه الناس في حياتك؟ ناهيك عما نهاك عنه ربك من وجوب الابتعاد عن الكذب!

 


لا لا يجوز الاستهزاء بملايين المصريين وهم قعود في بيوتهم يترقبون مطلع كل شهر.. ثمن ستة كيلو لحمة وفرختين وكرتونة بيض!
عيب والله

الجريدة الرسمية