رئيس التحرير
عصام كامل

أنا وشاكر وهواك

تدهشني أغنية محمد عبد الوهاب "أنا والعذاب وهواك" ففيها يذكر الرجل أنه يتعايش مع هذا العذاب اللذيذ، إذ إن عبد العزيز السباعي شاعر الأغنية يعدد من خسة وندالة المحبوب، ومع ذلك فإنه في كل تفاصيلها فهو العذاب وهوى المحبوب "عايشين لبعضيهم".


وقد حاولت اعتبار الدكتور شاكر المرقبي وزير الكهرباء عذابا يمكن التعايش معه، فاخترت لمقالي هذا العنوان “أنا وشاكر وهواه عايشين لبعضينا”، من باب أن المرء منا يعيش في وطن يسير على هوى شاكر وشلته، أو يعيش بقرار خارج عن إرادته، وكما قال رجل خسيس من قوم غير قومنا "الايد اللى ماتقدرش تعضها بوسها"، وقد حاولت أن أكون حقيرا امتثالا لواقع لا أستطيع أن أعضه!!


استيقظت فجرا بقرار دون إرادتي، عندما حاصرتني دفعات متتالية من رطوبة سكنت أجواءنا رغما عنا أيضا، يقولون إنها قادمة من الهند، انقطع التيار الكهربائي وانفردت بنا الرطوبة، بفضل الله لم تكن المياه مقطوعة، واستغلالا لهذا الحدث الجلل قذفت بنفسي تحت الدش لدقائق معدودة جدا، حيث يعاقبني محصل المياه شهريا بفاتورة تجعل المرء يتعامل مع المياه كما لو كانت بترولا من ذلك النوع الذى يتابع أسعاره العامة والخاصة.
 

المهم قررت الانتقال إلى مكتبي، ففي الصباح الباكر ساعات من الصفاء الذهني تستطيع خلالها أن تقوم بإعداد مهامك اليومية بشكل مركز، أكثر من أوقات النهار التي يقطع حبل أفكارنا فيها كل من هب ودب، بعد أن تحولت أرقام الهواتف المحمولة لسلعة تشتريها شركات العقارات، فيدخل عليك واحد من فئة "اللازج المغسول بالكولونيا"، ليعلن لك عن خبر سار، حيث لديهم فيلا تبدأ أسعارها من عشرة ملايين فقط.


قبل مضى ساعتين من الانسجام التام مع جهاز الحاسوب انقطع التيار بالمكتب، وعاد ثم انقطع، وعاد ثم انقطع ولم يعد.. لاحظت على جهازى "تهنيجة" غريبة ورعشة شاذة عليه، وهو الذي يصاحبنى منذ أكثر من عشر سنوات، لم يكل ولم يمل، ويطاوعنى في كل أفكاري، بما فيها الأفكار الغبية وهي كثيرة بالطبع.


عاودت إغلاق الجهاز وفتحه غير أنه أبى هذه المرة أن يضيئ لي شاشته التي عهدتها وضاءة، صبوحة، نضرة، استدعيت واحدا من الفريق الفني، وبعد محاولات أعلن ودون رحمة منه: الجهاز ضرب.. يا نهار اسود.. قلت للشاب الواعى بأمراض الكمبيوتر ربما تقصد أنه "انضرب"، حيث لم أعهده يضرب أبدًا طوال تاريخه معى.


نقلت الجهاز إلى خبير من ذلك النوع الذي اشتهر بإصلاح أجهزة الآبل ماكنتوش، وبعد الكشف الطبي على المذكور قال وكأنه طبيب إنجليزي بارد الأعصاب: البوردة ضربت يا أستاذ.. وقع الخبر علي كما لو كانت صاعقة من صواعق الأفلام الأجنبية.. وما الحل؟


قال الرجل بلا أسى ولا أسف: أنت تعرف أن الاستيراد يعانى مشاكل، وسأحاول التصرف في بوردة استعمال ولكنها ستكلفك، وقال رقما كنت قديما اشترى به جهازا مصحوبا ببنى آدم يكتب لى ما أشاء دون معاناة الضرب على الكيبورد، لاحظ المهندس تململي فقال: أنت عارف جهازك ده بكام دلوقت؟.. قال رقما أغرانى أن أتبع ما يقول لعودة النبض إلى جهازي مرة أخرى.


تركت الجهاز وغادرت إلى إحدى شركات الطيران العربية، لحجز تذكرة سفر لابنة شقيقتي التي أضناها البحث عن عمل هنا، فاختارتها دولة فيتنام لتدريس اللغة الإنجليزية في واحدة من المدارس الدولية المهمة، وصلت إلى الشركة وشرحت للموظف المختص غايتي ومطلوبي.


وبدأ الرجل في حجز التذكرة وحفظ البيانات، ومن جانبي قدمت له فيزا كارت للدفع، فقال الرجل: إن دفعت ثمن التذكرة بالفيزا سيحصل البنك المركزى منك مبلغا وقدره 10٪ من ثمن التذكرة، وإن دفعتها "كاش" لن تدفع هذه النسبة.. طلبت شرحا للأمر، فقال الرجل: البنك المركزى سيحصل منك هذا المبلغ تحت بند تدبير عملة، قلت له ولكنى أدفع بالمصرى.. ضحك الرجل وقال: اسأل المركزى.


وبينما كان الشاب المبتسم ابتسامة دائمة وعريضة، باعتبارها جزءا من العمل اليومى له، يشرح لى أبعاد المأساة انقطع التيار الكهربائى فجأة، لاحظ الشاب علامات الانزعاج على وجهي، وبنفس الابتسامة قال: لا تقلق سيعود التيار حالا، لأننا شركة طيران، وقد وضعونا على خطين عندما ينقطع واحد يعود التيار على الثانى.


وخاب ظن الرجل ولم يعد التيار، فاقترح علي أن أدفع ثمن التذكرة بمكتبهم بمطار القاهرة الجوي، طالما أن الكهرباء لن تعود، وغدا وبعد غد إجازة رسمية، وليس أمامي إلا المطار.. في اليوم التالى ذهبت إلي دوامة المطار والبحث عن مكتب الشركة في صالة سفر 2.


انتهت مهمتى بنجاح مغموس بعرق المعاناة، وعدت إلى مكتبى، وقد وجدت صالة التحرير خالية إلا من ثلاثة أو أربعة، أما الباقون فإنهم يمارسون عملهم من على مقاه قريبة من المقر، وفريق آخر يتداول جدولا بمناطق قطع الكهرباء، ويتنقلون بين بيوت بعضهم بعضا.


وأخيرا إذا كان عبد الوهاب عايش العذاب وهوى محبوبته، فإنى والله لا أقوى على ما كنت أقوى عليه أيام المراهقة حتى أعايش شاكر والعذاب والهوى، فثلاثتهم أبغض عندي من مشاهدة الدكتور مصطفى مدبولي، رغم قسوة حضوره وعذاب طلته وغرابة تصريحاته.

الجريدة الرسمية