رئيس التحرير
عصام كامل

دروس وذكريات (2)

عندما كنا في التعليم قبل الجامعي لم نكن نسمع عن الدروس الخصوصية.. وكانت هناك مجموعات تقوية مجانية لمن يريد من الطلاب ضعاف المستوى الدراسي.. والمدهش أن مدارس ذلك الزمان كانت عامرة بمعامل الكيمياء والأحياء والمسارح وحجرات الاقتصاد المنزلي التي تقوم بتصنيع الزبادي وتشكيل الرسومات وتقديم العروض الفنية والأنشطة وتحتضن الموهوبين والمبدعين من الطلاب..

وهو ما يفسر لنا لماذا تخرجت فيها قمم وصلت للعالمية مثل أحمد زويل ومجدي يعقوب وفاروق الباز ومصطفى مشرفة وغيرهم من النجوم الزاهرة الذين كانوا خير سفراء لمصر في الخارج.. كما ظهر رواد في الفن أبدعوا غناءً وتمثيلًا ورسمًا وهو ما جعل مصر في مصاف الدول العظمى بفضل قواها الناعمة.

لقد حصلت على الثانوية العامة الشعبة الأدبية بمجموع كبير بمقاييس تلك الأيام كان يؤهلني لدخول قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب لكنني فضلت دراسة الصحافة والإعلام وفوجئت أيامها وتحديدًا في العام 1972 بافتتاح معهد جديد للإعلام بجامعة القاهرة بديلًا لقسم الصحافة والنشر بكلية آداب القاهرة.. 

وكان المعهد يشترط بالإضافة للمجموع الكبير أن يجتاز الراغبون في الالتحاق به اختبارات شفوية وتحريرية يعقدها أساتذة وإعلاميون وصحفيون وشخصيات عامة لها وزنها، أذكر منهم مثلًا أنيس منصور وكمال عبدالرءوف وجلال الدين الحمامصي.. 

واجتزت بالفعل جميع الاختبارات مع المقبولين من أبناء دفعتي الذين أذكر منهم عماد الدين أديب وعمرو عبد السميع والدكتورة ليلى عبد المجيد والدكتورة نجوى كامل، والدكتور مرعي زايد، وعبدالله السناوي وثناء الكراس وحمدين صباحي.

والحق أنني اخترت الصحافة التي أحبها، وكنت أحرص دائمًا على شراء جريدة الأهرام خصوصًا يوم الجمعة لأقرأ مقالة بصراحة للكاتب الصحفي الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل والتي تميزت- رغم طولها- باحتوائها على الخبر والمعلومة والتحليل.

وفي معهد الإعلام الذي إحتل في البداية طابقًا كاملًا في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية  تحول بعدها إلى كلية للإعلام كنا ندرس مقررات متنوعة، فبالإضافة للمواد الإعلامية، كان هناك التشريعات الإعلامية والإحصاء والعلوم السياسية والاجتماعية وتتلمذت على أيدي أساتذة كبار أمثال الكاتب الصحفى الكبير جلال الدين الحمامصي والدكتور عبد الملك عودة والدكتور حامد ربيع والدكتور جمال العطيفى (وزير الإعلام فيما بعد) وغيرهم من القمم والقامات الأكاديمية والمهنية. 

وأثناء دراستنا مارسنا تدريبًا عمليًا في صحيفة صوت الجامعة وكنا نستقي الأخبار من كليات الجامعة ونتولى توزيعها في الأماكن ذاتها.. وتعلمنا في تلك الصحيفة كيف تكون صحفيًا أو مذيعًا محترفًا؛ حتى أنني قمت أيامها بعمل حوار صحفي مع رئيس جامعة القاهرة الدكتور صوفي أبو طالب الذي تولى رئاسة الجمهورية في أعقاب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وكان الرجل ضليعًا  في اللغة العربية، كما أجريت حوارًا مع الدكتور فؤاد محيي الدين وزير الصحة وقتها.

شريط ذكريات

وفور تخرجي في كلية الإعلام عام 1976 تدربت بجريدة الأخبار ثم انتقلت للعمل بجريدة الجمهورية مع الأستاذ محسن محمد الذي عرفته منذ كان مديرًا لتحرير الأخبار، وقد طلب مني الانتقال معه للجمهورية بعد أن جرى تكليفه برئاسة تحريرها ثم  قام بتعييني في العام نفسه وتعلمت على يديه فنون الصحافة وأصولها ومبادئها وكيف تكون المهنية والحفاظ على سرية المصدر والالتزام وعدم الفبركة.. 

ولا أنسى أنني في عهده حصلت على أكثر من 6 علاوات استثنائية؛ ذلك أنه كان يطبق مبدأ الثواب والعقاب والعدالة المهنية.. والحق أنه كان قارئًا جيدًا وصحفيًا من طراز فريد يعرف كيف يجذب القراء بدليل أنه ارتفع بتوزيع الجمهورية من 38 ألف نسخة إلى 800 ألف، وهو رقم غير مسبوق ليس في الجمهورية وحدها بل في كل الصحف المصرية والعربية آنذاك.

لقد طاف في مخيلتي هذا الشريط الطويل من الذكريات والأحداث بأفراحها وأتراحها.. وهي محطات تركت بصمات واضحة أسهمت في تشكيل شخصيتي ومسيرة حياتي التي أعترف بأننى كنت محظوظًا حين تلقيت تعليمًا صحيحًا وتربية سليمة تحث على مكارم الأخلاق واحترام وتوقير الكبير وقبول الاختلاف والتسامح..

وفي حياتي المهنية عرفنا تناقل الخبرات بين الأجيال وتعلمنا ممن سبقونا ولم يبخلوا علينا بخبرتهم ونصحهم ولعلى أفخر بأنني إبن الدفعة الثانية لإعلام القاهرة وإبن من أبناء جريدة الجمهورية التي احتضنتني ومنحتني فرصة العمل وتحقيق الذات ولم تبخل على بشيء حيث عينت فيها فور تخرجي وترقيت من مندوب صحفي في وزارات عديدة إلى رئيس قسم ثم نائبًا لرئيس التحرير.. 

ثم نائبًا أول لرئيس التحرير ثم رئيسًا لتحرير كتاب الجمهورية ورئيسًا لمجلس إدارتها إلى أن تقدمت باستقالتي طواعية في فبراير 2011 في أعقاب أحداث 25 يناير مقتنعًا تمامًا بضرورة ضخ دماء جديدة في شرايين الحياة العامة وخصوصًا في قيادة المؤسسات الصحفية والإعلامية..

وكان موقفي معلنًا أمام الجميع وخصوصًا القيادات الصحفية؛ القومية والمعارضة في اجتماع شهير حضره رئيس الوزراء أيامها الفريق أحمد شفيق ودعوت خلاله لترك الساحة لعناصر جديدة تناسب المرحلة وتواكب المتغيرات والتحولات وقد وافقني الرأي يومها الكاتب الصحفي الكبير عبد القادر شهيب رئيس مجلس إدارة دار الهلال الأسبق.. وهو ما رفضته بقية القيادات الصحفية وأصرت على البقاء في مواقعها حتى جرت إقالتهم جميعًا بعدها بشهرين اثنين!

إنها رحلة حياة وكفاح تعلمت فيها ولا أزال الكثير والكثير.. وبذلت جهدًا كلله الله بالنجاح.. وأحمد الله أنني ما زلت أعطي قدر طاقتي.. ويحدوني الأمل أن تحقق جريدتى وإعلامنا وبلادي مزيدًا من الرقي والنجاح.

الجريدة الرسمية