رئيس التحرير
عصام كامل

ليبراليون بدون ليبرالية

خلال النصف قرن الأخير كانت هناك عشرات المحاولات لخلق تيار ليبرالي مصري تظهر عند الأزمات ولا تلبث أن تنفض  بتجاوز الأزمة، ولا تختلف الليبرالية الجديدة عن الليبرالية القديمة إلا في الوسائل والأدوات، حيث إن مبادئ الليبرالية وثوابتها المنطلقة من أسسها الأربع (العلمانية، العقلانية، الفردية، والنفعية) لم تتغير، بل تغيرت آليات العمل بها.. 

 

ربما الفارق الشكلي الأكبر بين الليبراليتين؛ هو أن القديمة ارتبطت أكثر بأوروبا وفلاسفتها، بينما ارتبطت الليبرالية الجديدة أكثر بأمريكا والأمريكيين، ثم إن وصف هؤلاء بالليبراليين الجدد يفترض وجود إرث ليبرالي سابق أو قديم يبرر إطلاق صفة الجدة على هؤلاء. 

 

بينما الاشكالية أن التطور المعاصر لم يفسح المجال لنمو واستقرار تقاليد أو أفكار ورؤى ومخططات ليبرالية سابقة، بالمعنى المتعارف عليه لنشوء وتطور الليبرالية فتطور الرأسمالية  ظل أسير عوامل موضوعية تاريخية، حالت دون نشوء طبقة برجوازية وطنية مستقلة عن الدولة  تسطيع  بلورة هوية سياسية وثقافة  خاصة بها..

 

ومنذ أحداث الربيع العربي ارتفع أصوات بعض الليبراليين وسعوا لتكوين تيار ليبرالي ولكنه اختفي وسط ضجيج الفوضي، وكانت الكارثة في التحالفات المشبوهة بين اليسار والإسلاميين مع الليبراليين في خلطة لبن سمك تمر هندي وشاهدنا الناصري مع اليساري يتحالفون مع الإخوان في انتهازية سياسية فجة.. 

الليبرالية الجديدة وتوصيات صندوق النقد

حتي وإن زعم بعضهم أن الليبرالية الاجتماعية أو الليبرالية الجديدة New Liberalism  ذات ميول اشتراكية  تهتم بالعدالة الاجتماعية، وهي مجرد شعارات بعدما تلبس الليبراليين الجدد  أشكالًا وأثوابا جديدة، بعضها مستحدث، وبعضها قديم.. 

 

ابتداء من المحافظين الجدد، من أمثال رونالد ريجان ومارجريت تاتشر في أمريكا وبريطانيا خلال الثمانينات ومطلع التسعينات، مرورا بتيار المحافظين الجدد المجانين أواخر التسعينات ومطلع الألفية، الذين مثلّهم جورج بوش الابن، انتهاءً باليمين الشعبوى الذى حمل دونالد ترامب إلى مقعد الرئاسة الأمريكية.

 

و في ظل الليبرالية الجديدة بوجهها القبيح، تفاقمت في البلاد النامية التباينات الطبقية، وحدث انحراف شديد في منحنيات توزيع الثروة والدخل الوطني لصالح الفئات ذات النصيب الأعلى من الدخل والثروة، وذلك من خلال تطبيق توصيات صندوق النقد الدولي، الذي أوكلت إليه منذ أواسط الثمانينات، مهمة الإشراف على سير النظام المالي الدولي.. 

 

وخاصة بإزاء الدول النامية، من خلال المشروطية للقروض الممنوحة من أجل محاولة تعويم الاقتصادات الغارقة في بحر الديون وخفض سقف الإنفاق العام الاجتماعي، عبر تقليل مستوى الدعم السلعي والخدمي، وعدم ربط الأجور بالأسعار وفق جدولة معقولة، ولكن أيضا من حيث التوصية بخفض سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، لا سيما الدولار الأمريكي، بفعل التعويم الحر أو التعويم النظيف..

 

مما أدي لمزيد من التضخم السعري، في حين يعّدهم البعض حصان طروادة لتنفيذ سياسة الشرق الأوسط الكبير، وبعد الحادي عشر من سبتمبر جعلت الكثير من الدوائر السياسية والفكرية الغربية تعتمد على هذا التيار وتعبئة للهجوم على المعتقد الديني والثوابت الشرعية لشعوب المنطقة بحجة محاربة الإرهاب ومحاولة الإصلاح الديمقراطي للأنظمة والحكومات العربية. 

 

وفي هذه الأثناء أصدر الليبراليون العرب الجدد  البيان الأممي ضد الإرهاب وهو فضيحة تاريخية ووطنية ستظل توصم هذا التيار، فبناء أي نهضة حضارية لا يستلزم تدمير كل الأبنية الماضية ولو كانت حضارات أمم وشعوب عريقة كما يفعل بعض الليبراليين الجدد..

 

 

وهذا ما يؤكد للمتابع أن هؤلاء ليسوا سوى ظواهر صوتية تردد اصوات خارجية وهكذا تبدو  تلك الليبرالية أنها تذبح الآن بأيدي الليبراليين المتحررين من خلال معايير متضاربة ومصالح شخصية براجماتية وسياسة ميكافيلية، لتحقيق أهدافهم وتصفية حساباتهم مع خصومهم بل ومع اوطانهم.

الجريدة الرسمية