رئيس التحرير
عصام كامل

الاجتباءات والاصطفاءات الإلهية

سئل أحد العارفين بالله تعالى عن اصطفاء الله واختياره لأهل ولايته وبما نالوها وكيف وصلوا إليها.. فأجاب قائلا: الاجتباء والاصطفاء هو هبة إلهية وعطاء رباني واختيار قديم بصفة العلم الإلهي.. حيث نظر إليهم عز وجل بعين عنايته حيث كانوا في مكون علمه وحينما أذن لهم سبحانه وتعالى بالظهور في هذه الحياة أمدهم بإمدادات الهداية وفتح لهم بابي التوفيق والقبول.

 

يقول تعالى: "اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ".. والعناية الإلهية بأهل الولاية قديمة أزلية حيث اجتبى الحق سبحانه وتعالى أرواح أهل محبته وولايته وجعل منها الولاية الوهبية والولاية الكسبية. وأشار إلى ذلك بقول تعالى "وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ".. ويقول عز وجل "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا".. 

 

ويقول تعالى "وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ".. ويقول سبحانه "إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ".. ومن حكايات الصالحين ما يؤكد ذلك.. وهذه إحدى الحكايات يرويها الإمام الجنيد، يقول رضي الله تعالى عنه:ىخرجت يوما إلى الحج وأنا في الطريق فتحولت الناقة إلى طريق القسطنطينية فرددتها نحو الكعبة فتحولت مرة أخرى نحو القسطنطينية أيضًا فتركتها.. 


فلما دخلت المدينة رأيت أهلها في قيل وقال فسألتهم عن ذلك.. فقيل: إن ابنة الملك أصابها جنون وهم يطلبون لها طبيبا ً، فقلت لهم: أنا أداويها، فقالوا: أنت طبيب؟ فقلت: أنا عبد الطبيب، فأدخلوني على أبيها، فسألني أبوها: أنت طبيب؟ فقلت: أنا عبد الطبيب، فأدخلني عليها، فنادتني: يا جنيد.. كم مرة تجذبك الناقة إلينا فتردها عنا!


يا جنيد.. الجنون الذي أصابني من الطبيب الذي أنت عبده (تقصد الله جل جلاله) فتعجبت من كلامها
فقالت: لا تعجب، كنت في ليلة من الليالي فيما أنا فيه وإذا بجذبة من جذبات الرب قد جذبتني إلى جانب القُرب وفاض الذكر على لساني، وسمعت قائلا ً يقول: قل هو الله أحد والرسول أحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)

 


فقلت لها: هل لكِ أن تذهبي إلى بلادنا؟ فقالت: وما أصنع في بلادك؟ فقلت لها: فيها مكة والمدينة وبيت المقدس، فقالت: يا جنيد ارفع رأسك فرفعت رأسي، وإذا الكعبة والمدينة وبيت المقدس أمامي
فخررت ساجدًا لله تعالى، ثم قالت: يا جنيد، من سلك البادية بجسمه رأى الأحجار والأشجار 
ومن سلكها بقلبه طافت الكعبة به.. هذا وسر الفتح الإلهي يكمن في الاستقامة والذكر والصدق والحب والإخلاص..

الجريدة الرسمية