رئيس التحرير
عصام كامل

ليس دفاعًا عن الصحافة القومية!

منذ أيام خرج علينا الإعلامي إبراهيم عيسى يطالب ببيع المؤسسات الصحفية القومية المملوكة للدولة بدعوى أنها ليس لها دور سياسي وتعبوي وحشد، وقال عيسى: "من الممكن وضع أحد الشروط في عقود البيع تلزمهم - أي المشترون - بعدم تغيير نشاط الشركة أو المؤسسة فيما يخص الطباعة والنشر".


الصحافة عمومًا والمطبوعة على وجه أخص تراجع تأثيرها ودورها ليس في مصر وحدها بل في العالم أجمع.. لكن هل معنى ذلك أن نغلق مؤسساتنا الصحفية القومية أو نطرحها للبيع.. وهل نأمن ترك الرأي العام لكل غادٍ ورائح في ظل تدفق معلومات وشائعات بلا حدود على السوشيال ميديا والمواقع الإلكترونية الخاصة التي يمكنها نشر معلومة تحدث بلبلة وتشويشًا ثم تحذف هذا الخبر أو ذاك بعد دقائق؟!


الباحثة المتميزة سميرة محمد موسى توصلت في رسالتها للماجستير التي أشرف عليها الراحل الكبير الدكتور محمود علم الدين أستاذ الصحافة بإعلام القاهرة، والدكتور محمد عبد الفتاح عوض مدرس الصحافة بآداب الزقازيق إلى أن الصحافة لا تزال المصدر الرئيسي للأخبار المحلية التي يستقي منها الجمهور معلوماته عن عالمه ومجتمعه المحيط. 

 

بحسبانها إحدى أهم أدوات التغيير والإصلاح المجتمعي رغم النمو المتسارع للإعلام الإلكتروني، وزحف السوشيال ميديا على حياتنا بشكل طاغٍ.. وجاءت الصحف القومية الأكثر تفضيلًا لدى جمهور الأقاليم رغم مآخذ الدراسة عليها؛ وهي مآخذ يمكن التغلب عليها إذا سارعنا بحل مشاكلها وإطلاق يدها للمنافسة وليس ببيعها وفقدان دورها الحيوي.

 

لقد قال عيسى - ومعه الحق هنا - إن المؤسسات الصحفية أصبحت تغير من فكرها لتصرف على نفسها بالإضافة إلى أنها تعمل على بيع أو تأجير جزء من مبانيها من أجل توفير أموالها، مشددًا على أن هذه المؤسسات دائمًا ما تكون خاسرة.

 

والسؤال: لماذا تخسر تلك المؤسسات.. وكيف يمكن تقليل تلك الخسائر..وما الذي يمنع استثمار أصولها وهي كبيرة ليس بالبيع بل بطرق استثمارية أخرى أكثر نفعًا وهي طرق يعرفها أهل الاستثمار والإدارة الذين ينبغى أن تستعين بهم الدولة لإخراج الصحف القومية من عثراتها الاقتصادية وإعادة هيكلتها لتقوم بدورها الوطني والتنويري الذي اضطلعت به عشرات السنين.


لا بد لنقابة الصحفيين وهيئات الإعلام والصحافة ومجالسها العليا أن تعقد مؤتمرًا يحضره شيوخ المهنة وكبار الاقتصاديين وشباب الصحفيين للبحث عن صيغ مبتكرة لإصلاح أحوال الصحافة ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان!

 

إنقاذ الصحافة القومية

الصحافة رسالة تنوير ليس مطلوبًا منها أن تحقق أرباحًا مالية ومن ثَمَّ فلا بد من تمكينها من إدارة أصولها وتوسيع دائرة الاستثمار فيها حتى تستطيع الوفاء بالتزاماتها تجاه القارئ والمواطن والدولة.
أزمة الصحافة ليست محلية بل عالمية وهو ما يجعل الحديث عن إصلاح الواقع المتردي لصحافتنا وإعلامنا أمرًا لا فكاك منه.

 

فتدهور إعلامنا جعله متهمًا بأنه جزء من مشكلات مصر وليس جزءًا من الحلول.. تراجعت الرسالة والمهنية ومعهما أولويات الوطن وغاب الضمير المهني وحضرت العشوائية.. وفقد مجتمعنا بوصلته الحقيقية نحو بناء وعي حقيقي بما يدور حوله وما يحاك له، وفقد إعلامنا قدرته على التأثير في الرأي العام العالمي بعد إغراقه في المحلية.


للأسف.. فات صحافتنا استيعاب متغيرات متسارعة داهمت حصونها، ولم تحاول مواكبة عصر تجاوزها بمنتجاته التكنولوجية فائقة التطور والحداثة.. الأمر الذي يطرح سؤالًا مصيريًّا في لحظة فارقة: هل بإمكان صحافتنا المطبوعة تجاوز هذه المحنة حتى لا تنقرض وتصبح نسيًا منسيًّا.. هل بإمكانها استعادة قدرتها على التواصل والتأثير بمصداقية ونزاهة في جمهورها..

 

والأهم: هل تمد الحكومة يد العون لصحافتنا القومية رمانة ميزان الرأي العام ليس بالتكفل بقسط من نفقات الأجور والتشغيل فحسب بل بإسقاط ديونها وإطلاقها على طريق المنافسة الحقيقية حتى تنتقل من مربع تلقي الدعم إلى الاعتماد على نفسها بقدراتها الذاتية واستثمار ما بقي من أصولها بصورة أفضل، وإتاحة فرص حقيقية للتدريب وتنمية البشر وتطوير المحتوى، وتسهيل حصولها على نسبة من الإعلانات الحكومية وغيرها من وسائل التمكين والدعم..

 

ومنحها قبل هذا وذاك حرية الحركة المطلوبة لتحقيق النجاح وإتاحة الفرصة  للقيادات الأكثر كفاءة ومصداقية وامتلاكًا للرؤية النافذة..وأن يتسع صدر الحكومة إذا ما مارست الصحافة دورها الديمقراطي في نقد السلبيات دون تهويل، ومدح الإيجابيات دون إسراف في المديح.


كلام عيسى وما نراه من مستجدات يقتضينا أن نعيد طرح السؤال على الحكومة ونقابة الصحفيين والهيئات الوطنية المعنية: هل ثمة خارطة طريق لخروج آمن للإعلام والصحافة القومية من أزمتها الطاحنة.. هل ثمة طروحات تلائم حالتنا المصرية وتستلهم روح تجارب النجاح من حولنا؟!


الكرة الآن في ملعب الحكومة وهيئاتنا ومجالسنا الوطنية ونقابتي الصحافة والإعلام.. ليعود إعلامنا القومي رمانة ميزان للرأي العام وصمام أمان لأمننا القومي.. وليس أقل من معاملة مؤسسات الدولة كما عومل رجال الأعمال المتعثرون.

الحكومة تملك مفاتيح الحلول التي تأخرت كثيرًا، وعليها أن تدعو لمؤتمر جامع للمهتمين وخبراء الإعلام والصحافة لوضع الحلول لإصلاح هذا الملف الخطير.. ليعود الإعلام بحق داعمًا للدولة، قائدًا في معاركها المصيرية لمجابهة الشائعات ورياح الفتن والافتراءات والتضليل.. فهل من مجيب؟!

الجريدة الرسمية