رئيس التحرير
عصام كامل

فانتازيا في أربعة مشاهد

حكومة خادمكم المطيع
عقد مجلس الوزراء جلسة طارئة، وصفت في الإعلام وصفا امتد لاربع وعشرين ساعة من البث اللاهث، بأنها ذات طبيعة خاصة، بل غير مسبوقة، وذلك بموجب الاستعداد لمواجهة أزمة مالية طاحنة تراكمت ضغوطها عاما بعد عام، تتعلق بوجوب سداد فوائد وأقساط مستحقة لجهات أجنبية أظهرت تململا يوعز بالرغبة في الاستحواذ على أصول نظير مبالغ تكشف عن نزعة استغلالية. أقرب إلى مقايضة الإرث التاريخي بالحزم الدولارية.


في القاعة الجديدة، اتخذ الوزراء مقاعدهم وفق البروتوكول المعمول به، ولاحظ الحاضرون وجود مقعد شاغر رغم أن عدد اعضاء الحكومة كان مكتملا، وبدأ السيد رئيس الوزراء كلامه بالترحيب بهم جميعا، لكن أعناق جميع الوزراء كانت متجهة نحو المقعد الخالي، وبخاصة انه مجاور لرئيس الحكومة. ذاته، في كسر غير مألوف لقواعد الجلوس، قربا وبعدا من رأس السلطة.


ارتسمت ابتسامة على وجه رئيس الحكومة وهز رأسه متفهما عاصفة التساؤلات علي وجوه كل الوزراء وقال وهو يدير عنقه نحو المقعد الخالي:
- السادة زملائي أعضاء الحكومة الموقرين، أولا صباح الخير عليكم، باعتبار أننا الأن تجاوزنا الثانية عشرة منتصف الليل دون الوصول إلى حل حاسم نواجه به قلق الشعب، وأعرف ماذا يدور بأذهانكم، ولسوف اطلعكم على ما في ذهني وأرجو أن تتخذوا قرارا يعين الدولة علي الصمود، ومغالبة التحديات، وتخفيف حالة الزعل الشعبي القائمة. 

 

قال وزير التخطيط: أي قرار مالي جديد لابد من..
فقال وزير المالية: أي فلوس أخرى لن أتمكن من تحصيلها.                                               وقال وزير الداخلية: أرجو أن نستوعب التاريخ القريب.. مفهوم ما أقصده بالطبع
وقال وزير الاقتصاد: لعنة الله على حرف الكاف، كورونا وأوكرانيا!

روبوت 2013


حاول الوزير أن ينتزع منهم ضحكات ولو رسمية لكن العيون كانت لا تزال معلقة بالمقعد الشاغر، فقال رئيس الحكومة: حيث أن الفضول طغى على جدول الأعمال، فإننى استئذنكم نستقبل معا عقلا خبيرا، نضمه إلى المجلس، وربما ترون في ذلك اقحاما أو تجاوزا عن خبراتكم الثمينة، لكن هذه الخبرات رغم جهودكم هي منتهاكم كعقول ذكية بذلت اقصى مالديها من جهد..


طلب وزير المالية الكلمة: هل هو وزير جديد؟
وسأل وزير الاقتصاد: هل قصرنا في أداء مهام التكليف الدستورى؟
فقال وزير الثقافة: هل ترى الشعب سعيدا لتسأل هذا السؤال؟
إلتقط رئيس الحكومة السؤال عن سعادة الشعب وإبتسم في ارتياح: زملينا وزير الثقافة قبض علي الحقيقة الهاربة منا جميعا، ثقافته قادرة دوما علي الرؤية الكلية، بعضنا تنقصه هذه الحنكة..


تململ وزير الداخلية: اقترح يا دولة الرئيس الافراج الفوري عما تخبئونه من مفاجآت حتى نتهيأ لها بما يلزم!
ازعجت جدية وزير الداخلية نفوسهم فانتقلت الاعناق نحوه ومعهم عنق رئيس الحكومة، فاغتصب وزير الداخلية ابتسامة قصد بها تهدئة الصدور وهز رأسه وقال: قصدت أن تريح الناس دولتكم وتكشف لنا عن صاحب الكرسي الفارغ!


نهض رئيس الحكومة وتطلع في الوجوه جميعها ثم استدار موليا نحو باب القاعة، فتحه وهز رأسه، ثم عاد إلى مقعده وفي أثره دخل رجلان جادان متجهمان، أحدهما في بدلة زرقاء، والثاني في بدلة معدنية وملامحه رقمية اتسعت العيون ذهولا، فعاجلهم رئيس الوزراء باشارة من يده، وقد علت همهمات كثيفة متصاعدة وقال وهو يصافح المتجهم الازرق مودعا:


- من فضلكم، خلونا نرحب بالخبير الذي سيجلب السعادة للناس، بالانسان القادر علي حل خوارزميات موازنة ضج بها العجز، وضاق عليها الترميم، وقصرت عن اصلاحها جهودكم الجبارة، لقد جئتكم. بمن سوف يضع يده علي الداء لنحصل علي الدواء.

 


ثم التفت رئيس الحكومة في احترام ووسع المقعد للخبير، وقال له: من فضلك قدم نفسك!
في هدوء انحنى الخبير وابتسم وقال: انا مخلوق من عقولكم وافكاركم، وأنا خدامكم الآلي.. المطيع، اعرف مهمتي وسوف انجزها. لتبقوا في مناصبكم!
وقفوا جميعهم في ذهول وهم يتساءلون: من أنت ومن جاء بك؟
في صوت معدني قال: خادمكم المطيع.. روبوت 2013!.. نتابع

الجريدة الرسمية