رئيس التحرير
عصام كامل

الحوار الوطنى.. وفن الممكن

يقول قائل: إن انطلاق الحوار الوطنى بعد أكثر من عام من بدء الجلسات التحضيرية إنما جاء لأن النظام يستشعر حالة الخطر بعد تداعيات الأزمة الاقتصادية الطاحنة، ويقول آخر: سنرى فصلا مسرحيا مكررا على مدار عقود طويلة ولن يكون للحوار ثمار، ويقول ثالث: إنها مجرد ثرثرة لن نجنى منها شيئًا.


وللناس فيما يذهبون إليه خلفيات وصور ذهنية لأحداث من الماضى تدفعهم دفعًا لعدم تصديق أن يكون هناك حوار فاعل بين المعارضة والسلطة، وينتهى بإفراز توصيات تأخذها الدولة مأخذ الجد وتبنى عليها مساحة تشاركية نعتبرها إطارا للعمل الوطنى فى الفترة القادمة.


وفى الأغلب الأعم الناس لا تثق فى الحكومات، وما قد يكون حقيقيا لا يصل إلى الجماهير على صورته الحقيقية نتيجة تاريخ طويل من عدم الثقة تولد لدى المواطنين كنتاج طبيعى لغياب الشفافية وما عايشه الشعب خلال سبعين عاما من بعد قيام ثورة يوليو إلى يومنا هذا.


رجعت بذاكرتى إلى سنوات مضت عايشت فيها زعيما وطنيا خالصا قضى سنوات عمره فى العمل السياسى، إذ كان أول زعيم للمعارضة فى مجلس الشعب بعد تدشين التجربة التعددية الثانية فى منتصف سبعينيات القرن الماضى، ورأيت بأم عينى كيف تدار الأمور خلف الستار بين السلطة والمعارضة.


كان الراحل مصطفى كامل مراد، زعيم حزب الأحرار، واحدا من الساسة الواقعيين، فلم يرفض فى يوم من الأيام الحوار مع السلطة، وكان من المؤمنين بأن يشارك فى أى حوار، وعلى طاولة التفاوض يطرح ما يراه متوافقا مع ضميره الوطنى أيًّا كانت الصعوبات أو المواقف.


تذكرت كثيرًا من أقواله مع بدء الجلسة الافتتاحية للحوار الوطنى، والتى شاركت فيها أعداد كبيرة من ممثلى القوى الوطنية، وقد كان من بين ما يردده مصطفى كامل مراد أن السياسة هى فن الممكن وليست فن ما ينبغى أن يكون، وكان يرى أن انتظار ما ينبغى أن يكون قد يطوى معه صفحات من البناء.

مشاركة في صناعة القرار


مع بدء الجلسة الافتتاحية واستعراض بعض الكلمات التى ألقاها عدد كبير ممن كانوا بالقاعة بدا واضحا أن هناك نوايا طيبة من ممثلى القوى الوطنية الحضور، وبدا واضحا أيضًا أن سقف الحوار ارتفع رغم الصعوبات التى يعانى منها العمل السياسى بشكل عام.


عمرو موسى كان مركز الاهتمام بما طرحه مخلصًا وجريئًا وعابرًا مساحات أكثر رحابة، معبرا عن أنات الشارع المصرى ومخاوفه وهواجسه دون أن يغفل ما جرى على سطح الأحداث خلال السنوات القليلة الماضية، سواء على مستوى الإنجاز أو على مستوى التراجع.


لاقت كلمة عمرو موسى قبولًا لدى الشارع المصرى وتلقفته أجهزة المحمول، وبدا واضحا أن هناك توجهًا جديدًا يسمح بارتفاع سقف الطموحات وسقف الحريات، فالكلمة كانت على الهواء مباشرة، وعرضت دون اجتزاء على الميديا، وتناولتها المواقع الإلكترونية بشيء من التفصيل.


ما قاله عمرو موسى ليس مجرد تساؤلات، وإنما تعدى ذلك، إذ إن صاحب الكلمة كان واحدا من رموز صناعة القرار فى مصر لعقود طويلة، وأدى أدوارا وطنية لا يمكن المزايدة عليها، وهو عندما يتحدث إنما يشخص بحكمةِ رجل الدولة عما يدور فى أذهان العامة والخاصة.


عمرو موسى بمشاركته وإطلاق العنان لأفكاره واستفهاماته تحرك وفق نفس المنهج، وهى أن السياسة هى فن الممكن، فن التحرك فى المساحة المطروحة مع العمل على زيادتها وخلق حوار بناء يستهدف التشارك فى صناعة القرار، والتحذير من مغبة الانفراد بالسلطة والقرار على فكرة وجود الوطن.


لم ينسَ عمرو موسى ما يدور فى المحيط الإقليمى وتزايد المخاوف والإلحاح فى ترتيب أولويات المرحلة القادمة وفق أحداث عالمية وإقليمية ومحلية، معبرا عن حالة الغضب وما يخالطها من مخاوف شرعية تترك أثرها فى نفوس الناس قاطبة، الغنى والفقير، البسيط والمثقف، العامة والخاصة.


ولم يكن عمرو موسى وحده الذى صال وجال فى المساحة التى نتصور أنها منطقة حمراء، فقد شاركته أسماء أخرى، على رأسها الأستاذ فريد زهران والدكتور حسام بدرواي وغيرهما الكثير ممن طرحوا ما يتصورون أنه مهم وضرورى للبناء فيما هو قادم من أيام الحوار التى تناقش أكثر من 113 ملفا مهما وحيويا لمصر والمصريين.


خلاصة القول، إن المشاركة فى الحوار الوطنى وطرح ما نراه مناسبا لتعديل المسار وبناء العمل الوطنى على أولويات جديدة قادرة على مواجهة الأزمة التى تحيق بنا وتهدد وجودنا هو أمر أولى من فكرة مقاطعة الحوار الوطنى ثم البكاء على اللبن المسكوب.. مصر وطن يستحق أن نختلف من أجله.

الجريدة الرسمية