رئيس التحرير
عصام كامل

خبراء الكُحل

ونقول لمن يدعى الخبرة في شأن من الشئون «جه يكحلها عماها»، وذلك بعد أن يقوم مقام الخبير وتكون النتيجة كارثية، ومن يدعي الخبرة في شئون «الكُحل» كُثُر، ويرى البعض أن الشخصية المصرية في عمومها تدعى الخبرة في كل مجال وكل شأن.


إن سأل سائل عن عنوان لا يعرفه المسئول فإنه -المسئول- يستبعد الاعتراف بجهله بما سُئل عنه، وتكون النتيجة أن ما تسأل عنه في شبرا قد ينتهى بك إلى حلوان، وإذا تعطل عندك أمر فإن إصلاحه عبر خبراء الكحل عادة ما ينتهى بك إلى أقرب صندوق قمامة تلقى فيه بجهازك الذي كان ولم يعد بطبيعة الحال.

خبراء الكحل ستراهم في الاقتصاد وفي السياسة وفي الصحافة وفي الفن وفي الأدب، ونتائج اجتهاداتهم لا تغيب عن بصيرة  المبصرين، ولا يمكن أن تخطئها العين المجردة، والأمثلة تصعد من أعلى مستوى إلى أدنى مسئول أو مواطن يدعى الخبرة والمهارة دون وازع علمى أو حتى منطقى.

ومن خبراء الكحل في بلادى من يتولى المناصب، فيصب بخبرته الوهمية الزيت على النار، فينقلب الأمر حريقا لا تطفئه مياه ولا حتى ثانى أكسيد الكربون، وهناك من مدعى الخبرة من يصور لك الأمر على نحو من البساطة بحيث تمضى في طريق لا ينتهى بك إلا إلى الوهم الكبير.


وفي كثير من نواحى حياتنا نعيش هذا الوهم وفق رؤى هؤلاء الخبراء الوهميين، وأذكر أنه كان لنا أستاذ في كلية الإعلام يصف لنا بعض مصادر المعلومات بأنهم مثل صنابير المياه المفتوحة دوما، يتحدثون في الصرف الصحى ويدلون بآرائهم في الأدب والفن وفي الكيمياء وفي الذرَّة.


وهذا النوع تراه واثقا من نفسه بلا مبرر، وهذا ما يجعل ما يطرحه قابلا للعيش ولو لفترة بين الناس.. نعم ترى الواحد منهم وهو يحدثك عن ملكاته وإمكاناته كما لو كان نبيا منزلا برسالة سماوية أو كأنه على صلة ببواطن الأمور، باختصار يفهم في كل شيء ويعى كل مكنون ويدرك كل سر.


مثل هؤلاء أضاعوا مؤسسات وأضاعوا أحلام ودفعوا الناس للعيش في وهم لذيذ، وهم يصور لك الأمر على نحو من السهولة التي تجعلك تبنى خططك المستقبلية عليه، وكم من سنوات عشناها كشعب على تلال من الأوهام والأكاذيب، بدأت بالصحوة الكبرى ولم تنتهِ تداعياتها حتى يومنا هذا.

 


كان أستاذنا يصف الصحفى الذي يلجأ لمصادر معلومات من نوع صنابير المياه المفتوحة بأنه أداة من أدوات التضليل والتدجين ونشر الأكاذيب، ولا يستبعد أن يكون هذا الصحفى نفسه واحدا من خبراء «الكُحل» المنتشرين في كل مكان وزمان وعهد وعصر.

الجريدة الرسمية