رئيس التحرير
عصام كامل

إدارة البيئة الصفية.. فن التوجيه وعلم القيادة (3)

يعد السياق التعليمي المتمثل فى ممارسات المعلمين التى تحدث ضمن استراتيجيات وطرق التدريس، وأثناء الاختبارات وتنظيم الأنشطة والمسابقات المدرسية، فى غاية الأهمية التربوية، كما يؤثر نمط العلاقات الاجتماعية -والذى لا يرتبط بمادة دراسية بعينها- السائد بين المعلمين وطلابهم، وبين الطلاب وبعضهم داخل غرفة الصف، بقوة فى توجيه سلوك الطلاب وتشكيل وجدانهم، وقيمهم، ومعتقداتهم واتجاهاتهم، مما يستلزم درجة عالية من الوعى لدى المعلمين، بأن كل فكرة أو ممارسة يقومون بها يمكن أن تؤثر تأثيرا بالغًا فى سلوك الطلاب وشخصياتهم.


حيث يؤثر المعلمون الذين يمتلكون سلطات المعرفة، والالتزام، والتفاعل، وتوفير المناخ الوجدانى والاجتماعى، والقواعد الصفية على الطلاب بشكل إيجابى، ويحصلون على تعاونهم بشكل أفضل، فى المقابل فإن المعلم الذى يستخدم سلطة القوة ليضبط سلوك الطلاب، ويجبرهم على القيام بالأشياء بدلًا من الحصول على تعاونهم، سوف يدفعهم للاستجابة الوقتية فقط وبدافع غير ذاتى.. 

 

ومقصد الحديث هنا أن المعرفة التى يتعلمها الطلاب داخل المدرسة ليست هى المسئولة وحدها عن نجاح الطلاب وإعدادهم للحياة فى المستقبل، ولكن يجب أن يتوفر بجانبها أفكار ومهارات وقيم واتجاهات يكتسبها الطلاب من السياق التعليمى وأسلوب إدارة المعلمين للصف.


ولتأكيد أهمية التواصل بين المعلم والطلاب إليك عزيزى القارئ هذا المثال الواقعى، فمنذ فترة ليست بعيدة كان أكثر من 75% من الطلاب فى المدارس الابتدائية والثانوية الأمريكية من ذوى البشرة البيضاء، وفى عام 2008 انخفضت هذه النسبة إلى أقل من 60%، بينما ارتفعت بشكل كبير نسبة الطلاب الأمريكيين من ذوى الأصول اللاتينية والآسيوية..

 

وفى نفس الوقت ارتفعت أيضًا نسبة التسرب بين طلاب هذه الفئة مقارنة بالطلاب ذوى البشرة البيضاء، وقد نتج عن هذا التنوع المتزايد فى الصفوف بالولايات المتحدة تحديات كبيرة أمام المعلمين تتمثل فى الاتصال بطلابهم لتقديم الدعم النفسى المطلوب لهم جميعا، كل هذا بعيدًا عن التحديات الأكاديمية، وهى فى حد ذاتها تحديات لإيجاد صف تربوى، تتوافر به أدوات الجذب والتشويق، لجذب اهتمام المتعلمين للحضور إلى المدرسة، ومساعدتهم على المشاركة فى العملية التعليمية برغبة ودافع ذاتى.

سمات الإدارة الصفية


لقد عمد المعلمون الأمريكيون إلى الاهتمام بالسياق التربوى والتعليمى الذى يحدث فيه التعلم، وجعله محفزًا مهمًا لنجاح عمليتى التعليم والتعلم، وقد نتج عن هذا الاهتمام والتحفيز أن أصبح للصف الدراسى ثلاث سمات:
الأول، الاطمئنان والثقة المتبادلة بين المعلم والمتعلمين: نتيجة تمركز العملية التعليمية حول المتعلم، بالإضافة إلى توفير المعلمين مناخ من الحب والتقدير والدعم لجميع المتعلمين.


والثاني، القبول المطلق غير المشروط بقدرات كل متعلم على التعلم: وهذا القبول المطلق وغير المشروط فى الصفوف ليس معناه ولا يعنى أن "أي شيء مقبول" فإذا طلب المعلم من التلميذ الإجابة عن السؤال: ما نتيجة جمع اثنين وأثنين؟ وأجاب التلميذ: خمسة، فإنه يتم تصحيح إجابته من خلال أسئلة أخرى يكررها المعلم، ويساعد من خلالها التلميذ على الإجابة والتعلم عن طريق تعديل السؤال إلى مستوى الفهم الذى يناسب التلميذ، وبدون المساس بالعلاقة الداعمة والثقة المتبادلة بين المعلم التلميذ.. 

 

وبمرور الوقت، فإن الإجابات غير الصحيحة التى تم تصحيحها مرارًا وتكرارًا، وتبعها أسئلة أخرى لم تقلل من إيمان المعلم بقدرة التلميذ على التعلم، وبمعنى آخر لم يقدم المعلم تصريحًا أو تلميحًا بتصنيف المتعلمين وفق قدراتهم على التعلم، والتى يمكن أن تضعف دورهم الداعم والتربوى فى الصف، وقد أظهرت النتائج أنه عندما تقترن الإجابات غير الصحيحة بخوف المتعلم من أن تكون قدرته على التعلم أقل من الآخرين، فإن المتعلم يستسلم ويشعر باليأس، وينطفئ بذلك دافعه للتعلم فى المستقبل.


الثالث، فرص البحث والاكتشاف: أن الاطمئنان والثقة المتبادلة والقبول المطلق غير المشروط كانا فاعليين فى دفع كل متعلم للبحث والاستكشاف بطريقتة الخاصة، والسبب فى ذلك هو أن هؤلاء الطلاب لمسوا الاطمئنان والثقة المتبادلين، وشعروا بقبول مطلق وغير مشروط طوال العام الدراسى، مما ساعدهم فى المبادرة للبحث والاكتشاف دون خوف من الفشل.


الرابع، ويقترح داينشز وكارتر ومارثر بعض الممارسات لتقديم المعلم الدعم النفسى والاجتماعى للطلاب، ومنها: إتاحة الفرص لهم للمشاركة اجتماعيًا فى المهام الصفية مثل (تدوين الحضور، وتوزيع الكتب، وجمع الآراء وتدوينها، وغيرها) والتى تقدم إحساسا بالمسئولية. والتأكيد على المهام التى تتطلب التعاون وتقليل الاعتماد على المهام التنافسية.
 

الثناء على جهودهم وتعزيز استجاباتهم. وتشجيعهم على استخدام خبراتهم ومواهبهم فى إنجاز المهام. وإتاحة الفرص لإظهار مشاعرهم ومعتقداتهم من خلال تمثيل الدور، والقراءة، والمهام الحماسية.

مكونات الإدارة الصفية


ولكى ينصب المعلم نفسه قائدًا فاعلًا وفقًا لعلماء النفس الاجتماعيين عليه كسب ثقة طلابه واحترامهم له، وقد حدد ريفين أربعة أنواع من القيادة، هى: (القيادة الخبيرة، القيادة المرجعية، القيادة المشروعة، القيادة بالمكافئة) ومهما اختلفت أنواع القيادة عليك أن تعلم عزيزى المعلم أنها كلها ترتبط فى الحقيقة باحترام المتعلمين للمعلم وحبهم له، وكلما زاد الاحترام والحب ارتفع معه معدل تحصيل الطلاب وتفوقهم.


ومن الممارسات الفعالة للإدارة الصفية: مراقبة الطلاب، وهى عملية ملاحظة وتسجيل ذهنى، وعند الضرورة إعادة توجيه أو تصحيح لسلوكيات الطلاب، وتحدث المراقبة عندما يبحث المعلم عن الطلاب ذوى العيون النشطة، والذين يرفعون أيديهم خلال فترة السؤال والإجابة، كما تساعد المعلم بأن يعرف كل حركة فى الصف، وأن يكون على وعى بما يحدث فى جميع أنحائه.

وتوجد عدة أساليب بسيطة لزيادة معرفتك بكل ما يدور في الصف، ومنها زيادة حضورك البدنى من خلال التواصل بالنظر على أن لا يقتصر على جزء من الصف فقط؛ ولاتكن مثل المعلمين الجدد المبتدئين الذين يقومون بما يأتى باستمرار: اقتصار المشاركة على الطلاب فى الصفوف الأولى الأمامية، التحدث وظهورهم للطلاب أثناء الكتابة على السبورة، التحدث وهم ينظرون باتجاه النوافذ أو السقف، التحدث وهم غير قادرين على رؤية جميع الطلاب.


وبناء على ما سبق يمكن لنا أن نطلق مصطلح المنهج الضمنى أو الخفى على مكونات الإدارة الصفية، فأفكار المعلمين واتجاهاتهم حول التدريس وإدارة البيئة الصفية، قد تكونت لديهم ضمنيا عبر مشاركتهم فى الطقوس المدرسية، ومعايشتهم لنوعية التفاعل ولثقافة التعلم السائدة فى المدرسة كنظام مؤسسى، كل ذلك يؤثر ضمنيا أيضًا وبشكل خفى فى الطلاب عقليا ووجدانيا واجتماعيا، ويحدد لهم أنماط السلوك المقبول المراد الالتزام به، وبالتالى يؤهلهم لمواجهة الحياة بطريقة عملية، ويعمل على تقليل الفجوة بين المواد النظرية التى يدرسونها، وبين تطبيقاتها فى المواقف الحياتية المعاشة.

الجريدة الرسمية