رئيس التحرير
عصام كامل

ألا لله الدين الخالص

من المعلوم أن ليس لله تعالى علة ولا عوز ولا حاجة في كل ما أمر ونهى وفي كل ما قضى وقدر فهو سبحانه وتعالى الغني الحميد يقول: "أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ". وهو تعالى القائل في الحديث القدسي "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على قلب أتقى رجل واحد ما زاد ذلك في ملكي شيء. ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على قلب أشقى رجل واحد ما نقص من ملكي شيء. ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم سألوني في صعيد نفس واحد وأعطيت كل سائل مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيء إلا كما يأخذ المخيط إذا غمس في البحر" 

 

وهو القائل أيضا في الحديث القدسي سبحانه "يا عبادي إنكم لا تملكون نفعي فتنفعوني ولا تملكون ضري فتضروني". هنا سؤال يطرح نفسه وهو ما دام ليس هناك علة لله لا فيما خلق وأوجد ولا فيما قضى وقدر. وهو عز وجل الغني عن العالمين والذي لا تنفعه طاعة المطيعين ولا تضره معصية العاصين وإنما النفع والضر يعود على العبد  السؤال: لماذا خلقنا الله تعالى وأمرنا بعبادته؟ 

 

الإجابة، ما دعانا الله تعالى لطاعته وعبادته إلا  لمعرفته. يقول عز وجل في الحديث القدسي "كنت كنزا مخفيا أحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني". وفي معنى قوله عز وجل "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"، يقول حبر الأمة سيدنا عبد الله إبن العباس رضي الله عنهما "أي إلا ليعرفون" فمعرفة الله عز وجل هي غاية الغايات فهي الباب الموصل إلى محبته ورضاه والمقام بالقرب منه والتمتع بإنسه سبحانه..

 

هذا بالإضافة إلى أنه أراد أن يتفضل علينا بوصله تعالى وعطائه وأن نحظى ونسعد بقربه وحتى تستقيم حركتنا في الحياة الدنيا ونسعد ونفوز وننعم بجناته وفضله في الآخرة.. هذا والعبادات ليست مجرد أداء للفرائض والتكاليف الشرعية شكلا بلا تحقق بالمضمون.. وإنما هي التحقق بمقاصدها وتذوق روحانيتها. 

 

فالصلاة مثلا إن لم تنه صاحبها عن الفحشاء والمنكر ويعايش صاحبها حال الوصل والأنس بربه تعالى ومولاه فلا قيمة لها. والصيام إن لم يصن الصائم جوارحه من المعاصي وتسموا روحه عن عالم الأرض والماديات فلا صوم له. والزكاة مثلا إن لم تتطهر النفس من البخل والحرص والأنانية وحب الذات والدينار والدرهم. وإن لم يشعر المزكي بحاجة الناس وتتحرك في نفسه نوازع الخير والعطف على اليتيم والفقير والأرملة والمسكين وصاحب الحاجة فلا قيمة لزكاته. 

 

وحج بيت الله تعالى الحرام إن لم يتجرد الحاج من زينة الدنيا ويطرح حبها من قلبه ويزهد فيها ويسقط العلائق والأغيار من قلبه ويقبل على الله تعالى متجردا مما سواه تعالى ملبيا لدعوته عز وجل فلا قيمة لحجه.. 

 

 

الخلاصة: أن الله تعالى غني عنا وعن عبادتنا وما كلفنا بالعبادات ألا لكي يفتح لنا باب محبته والمعرفة به سبحانه وتعالى، وأن العبادات ليست برسوم ومناسك وطقوس تؤدى بالأجساد، وإنما هي إقبال على المعبود سبحانه وتعالى بدفع المحبة الخالصة له ونية صادقة وأعمال خالصة المرجوا فيها ومنها  وجه الله تعالى الكريم ورضاه عز وجل ومعرفته سبحانه. يقول تعالى "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ" ويقول سبحانه " أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ".

الجريدة الرسمية