رئيس التحرير
عصام كامل

حدث في 8 رمضان.. ألب أرسلان صاحب موقعة ملاذكرد يتولى الحكم

حروب ألب أرسلان،فيتو
حروب ألب أرسلان،فيتو

حدث في رمضان.. في الثامن من شهر رمضان عام 455 هجريًا، بدأت ولاية السلطان السلجوقي "ألب أرسلان"، بعد وفاة عمه السلطان "طغرل بك" المؤسس، وهو صاحب موقعة ملاذكرد والتي تعد بداية نهاية السلطة البيزنطية كما يُنظر أيضًا على فتوحاته في الأناضول من قبل البيزنطيين على أنه أحد النتائج المحورية لإطلاق الحملات الصليبية.


ألب أرسلان

ضياء الدُنيا والدين عضد الدولة أبو شجاع محمد ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق التركماني المولود أحد أهم قادة المسلمين وكبار رجال التاريخ، وصاحب الانتصار الخالد على الروم في معركة ملاذكرد. 

ألب أرسلان


من هو ألب أرسلان
 

عُرف باسم (ألب أرسلان) ومعناها بالتركية (الأسد الباسل)، كان ثاني حكام الأتراك السلاجقة بعد السلطان المؤسس طغرل بك لُقّب بسُلطان العالم أو بالسلطان الكبير أو الملك العادل، بلغ حدود حكمه من أقاصي بلاد ما وراء النهر إلى أقاصي بلاد الشام، ورغم عظم مملكته، إلا أنه كان تابعًا للخلافة العباسية في بغداد.

بعد وفاة طُغرُل بك المؤسس الحقيقي لدولة السلاجقة سنة 455 هـ/1063م تولى ألب أرسلان ابن أخيه حكم السلاجقة، وكان قبل أن يتولى السلطنة يحكم خراسان وما وراء النهر بعد وفاة أبيه داود عام 1059 م، وكان يعاونه دوما وزيره أبو علي حسن بن علي بن إسحاق الطوسي، المشهور بـ نِظام المُلك، استطاع في عهده أن يفتح أجزاء كبيرة من آسيا الصُغرى وأرمينيا وجورجيا.

السلطان ألب أرسلان


ولد ألب أرسلان واسمه الحقيقي (محمد بن جغري بك داود بن ميكائيل بن سَلْجُوق بن دُقَاق) في 15 ديسمبر 1029 في الأسرة السلجوقية التي تنتسب إلى قبيلة من قبائل الغز التركية والتي كان يقودها الزعيم «سلجوق» في القرن الرابع الهجري، وقد ساند السلاجقة الخلافة العباسية في بغداد، ونصروا أهل السنة والجماعة بعد أن أوشكت دولة الخلافة على الانهيار بين النفوذ البويهي الشيعي في إيران والعراق، والنفوذ الفاطمي في مصر والشام..
تُوفِّي طغرل بك في سنة (455هـ - 1063م) دون أن يترك ولدًا يخلفه على سدَّة الحكم، فشبَّ صراع على الحكم، حسمه ابن أخيه ألب أرسلان لصالحه بمعونة وزيره نظام الملك؛ المعروف بالذكاء وقوَّة النفوذ، وسعة الحيلة، وتنوُّع الثقافة.


وكان ألب أرسلان كعمِّه طغرل بك قائدًا ماهرًا مقدامًا، وقد اتخذ سياسة خاصة تعتمد على تثبيت أركان حكمه، كما كان مشتاقًا إلى الجهاد في سبيل الله، ونشر دعوة الإسلام في داخل الدولة البيزنطية المجاورة له؛ كبلاد الأرمن وبلاد الروم، وكانت رُوح الجهاد الإسلامي هي المحرِّكة لحركات الفتوحات التي قام بها ألب أرسلان وأكسبتها صبغة دينية، وأصبح قائد السلاجقة زعيمًا للجهاد، وحريصًا على نصرة الإسلام ونشره في تلك الديار، ورَفْع راية الإسلام خفَّاقة على مناطق كثيرة من أراضي الدولة البيزنطية. ولقد بقي سبع سنوات يتفقَّد أجزاء دولته المترامية الأطراف، قبل أن يقوم بأي توسُّع خارجي.
تولى الحكم في 8 رمضان 455 هـ الموافق 4 سبتمبر 1063م، وورث ألب أرسلان دولة واسعة الأرجاء تمتد من سهول تركستان إلى ضفاف دجلة، والتي حكمها بمساعدة وزيره 'نظام الملك' الذي اشتهر بعلمه وحنكته السياسية.

حروب ألب أرسلان

 

معركة ملاذكرد


توج ألب أرسلان جهوده بانتصاره على الإمبراطور رومانوس جالينوس في معركة ملاذ كرد في ذي القعدة 463هـ/أغسطس 1071، فقد أحسن السلطان خطة المعركة، وأوقد الحماسة والحمية في نفوس جنوده، حتى إذا بدأت المعركة أقدموا كالأسود الضواري تفتك بما يقابلها، وهاجموا أعداءهم في جرأة وشجاعة، وأمعنوا فيهم قتلًا وتجريحًا، وما هي إلا ساعة من نهار حتى تحقق النصر، وانقشع غبار المعركة عن جثث الروم تملأ ساحة القتال.

معركة ملاذكرد


وتفيد المصادر التاريخية بأنه خلال المعركة خطب السلطان في جنوده قائلًا:
إنني أقاتل محتسبًا صابرًا، فإن سلمت فنعمة من الله عز وجل وإن كانت الشهادة فهذا كفني..، أكملوا معركتكم تحت قيادة ابني ملكشاه، ولما تقارب الجيشان طلب السلطان من امبراطور الروم الهدنة فرفض، فخطب السلطان في جنوده قائلًا:
من أراد الانصراف فلينصرف. ما هنا سلطان يأمر وينهي 
ثم ربط ذيل فرسه بيده وفعل العسكر مثله ولبس البياض وقال: إن قتلت فهذا كفني 
ثم انهزم الروم وتم أسر إمبراطورهم فطلب من أرسلان أن يفدي نفسه بالمال وأن يجعله نائبه، فاشترط عليه السلطان أن يطلق كل أسير مسلم في بلاد الروم وأن يرسل إليه عساكر الروم في أي وقت يطلبها على أن يفتدي الإمبراطور نفسه بمليون ونصف مليون دينار. وعقد البيزنطينيين صلحًا مع السلاجقة مدته خمسون عامًا، واعترفوا بسيطرة السلاجقة على المناطق التي فتحوها من بلاد الروم.


أسر رومانوس ديوجينيس
 

عندما أُجِريَّ الإمبراطور رومانوس الرابع في حضور ألب أرسلان، رفض السلطان تصديق أن الرجل الملطخ بالدماء والمغطى بالتراب هو إمبراطور الرومان الجبار. وبعد اكتشاف هويته، وضع ألب أرسلان حذائه على رقبة الإمبراطور وأجبره على تقبيل الأرض. كما ورد أن محادثة شهيرة حدثت بينهما:
ألب أرسلان: «ماذا ستفعل لو قَدِمتُ أمامك كسجين؟»
رومانوس: «ربما أقتلك، أو أعرضك في شوارع القسطنطينية».
ألب أرسلان: «عقابي أثقل بكثير. سأُسامحك وأطلق سراحك».
عامل ألب أرسلان رومانوس بلطف كبير وعرض مرة أخرى شروط السلام التي كان قد عرضها قبل المعركة. 

جيوش البيزنطيين


وفقًا لابن العديم، بحضور أرسلان، ألقى رومانوس باللوم على غارات محمود المرداسي على الأراضي البيزنطية والتي كانت سببًا لتدخلاته في الأراضي الإسلامية والتي أدت في النهاية إلى معركة ملاذكرد، وظل رومانوس أسير السلطان لمدة أسبوع، خلال هذا الوقت، سمح السلطان لرومانوس بتناول الطعام على مائدته بينما تم الاتفاق على التنازلات: استسلام أنطاكية وإديسا وهيرابوليس وملاذكرد.
وكان هذا من شأنه أن يترك الجوهر الحيوي للأناضول كما هو، ودفع 10 ملايين قطعة ذهبية كفدية مقابل فك آسر رومانوس، لكن السلطان خفضها بطلب 1.5 مليون قطعة ذهبية كدفعة أولية، تليها مبلغ سنوي قدره 360.000 قطعة ذهبية، بالإضافة إلى ذلك، تم إعداد تحالف زواج بين ابن ألب أرسلان وابنة رومانوس، ثم قدم السلطان لرومانوس العديد من الهدايا ورافقه أميران ومئة مملوك في طريقه إلى القسطنطينية.
بعد وقت قصير من عودته إلى رعاياه، وجد رومانوس حكمه في مأزق خطير. على الرغم من محاولات حشد القوات الموالية، فقد هُزم ثلاث مرات في معركة ضد عائلة دوكاس وعُزل وأعمى ونفي إلى جزيرة بروتي. وتوفي بعد فترة وجيزة نتيجة إصابة ناجمة عن إصابة أثناء إصابته بالعمى القاسي. كانت غزوة رومانوس الأخيرة في قلب الأناضول، والتي عمل بجد للدفاع عنها، إهانة علنية.

معارك المسلمين


يُذكر ابن الأثير في كتابه «الكامل في التاريخ» شيئًا من أخلاق السلطان ألب أرسلان، فقد ذكر أنه كان عادلًا يسير في الناس سيرة حسنة، كريمًا، رحيم القلب، شفوقًا على الرعية رفيقًا بالفقراء، بارًّا بأهله وأصحابه ومماليكه، كثير الدعاء بدوام النعم، وكان يكثر الصدقة، فيتصدق في كل رمضان بخمسة عشر ألف دينار، كان حريصًا على إقامة العدل في رعاياه وحفظ أموالهم وأعراضهم.
كتب إليه بعض السعاة في شأن وزيره نظام الملك فاستدعاه واعطاه الرسالة ثم قال له: (إن كان هذا صحيحًا، فهذب أخلاقك وأصلح أحوالك وإن كذبوا فاغفر لهم زلتهم). كما كان شديد الحرص على حفظ مال الرعية فلقد بلغه يوماُ أن أحد مماليكه قد أخذ إزارًا لأحد الناس ظلمًا، فأمر بصلبه فارتدع باقي المماليك عن الظلم.
وقيل انه كان كثيرًا ما تُقرأ عليه تواريخ الملوك وآدابهم، وأحكام الشريعة الإسلامية، ولمَّا اشتهر بين الملوك حُسن سيرته، ومحافظته على عهوده، أذعنوا له بالطاعة، وحضروا عنده من أقاصي ما وراء النهر إلى أقاصي الشام.
غالبًا ما يُستشهد بانتصاره في ملاذكرد على أنه بداية نهاية السلطة البيزنطية في الأناضول، وبداية الهوية التركية هناك. كما يُنظر أيضًا على فتوحات ألب أرسلان في الأناضول من قبل البيزنطيين على أنه أحد النتائج المحورية لإطلاق الحملات الصليبية.
توفي ألب أرسلان في 10 ربيع الأول في 29 نوفمبر 1072 الموافق للعاشر من ربيع الأول عام 465هـ، ودفن في مدينة مرو بجوار قبر أبيه وخلفه ابنه ملك شاه، ولما بلغ موته أهل بغداد أقام الناس له العزاء، وغلقت الأسواق وأظهر الخليفة الجزع عليه.

 

الجريدة الرسمية