رئيس التحرير
عصام كامل

هدم المجتمع يبدأ من هنا.. فاحذروا!

هل يمكننا تصور مجتمع سوي دون وجود أسر متآلفة ذات بنيان مستقر وآمن يجمع أفرادها، سواء الزوج والزوجة أو الأطفال.. وعلى أي الأسس قامت الحضارات في مجتمعاتنا الشرقية منذ فجر التاريخ؟ 

الجواب باختصار: السر يكمن في الحفاظ على التماسك الأسري واحتكام المجتمع لقيم وموروثات تقوم على التراحم والتآلف وإعلاء شأن مؤسسة الأسرة واحترام كل فرد داخلها لتقاليدها وتوقير الكبير والرحمة بالصغير، فضلا على تقديس علاقة الزواج والحفاظ على حقوق الزوجين وأداء كل منهما لواجباته قبل النظر لحقوقه بما يدخل السعادة والسرور في قلوب جميع أفراد الأسرة..

 

وفي المقابل فإنه ما من حضارة تفككت وانهارت وزال بأسها إلا بعد انهيار بنيانها الأسري وتصدع مقومات استقراره وانفصام عرى تماسكه.. استقرار الأسرة حصن أمان لأفرادها، يحميهم من التطرف ويقي المجتمع شرور الجرائم على اختلافها..

 

أما إذا تسللت الفوضى للعلاقة الأسرية عبر دعوات مشبوهة ظاهرها الحرية والتمكين من الحقوق، وباطنها الهدم وتخريب هذا البنيان عبر إشاعة أفكار وآراء غريبة من عينة أن المرأة ليس مكلفة بخدمة زوجها فضلا عن خدمة أهله؛ أو محاولات أعدائنا تشكيك الناس في ثوابتهم الدينية وهدم قيم مجتمعاتنا بالدعوة للمثلية تارة، واتخاذ حقوق المرأة ذريعة لإفساد المرأة ودفعها للتمرد على القيم الاجتماعية المستقرة من قبيل طاعة الزوج في غير معصية الله.

استقرار الأسرة وتنشئة أطفال أسوياء

وتصديًا لمعاول الهدم هذه خرج مرصد الأزهر محذرًا من استهداف البنيان الأسري مؤكدًا أن مختلف الشرائع السماوية أوْلَت الأسرة عناية خاصة، لمركزيتها في المجتمع الإنساني، وأهميتها في نهضة الأمم وتأسيس بنيانها الاجتماعي والسلوكي والأخلاقي، مؤكدًا أن استقرار الأسرة عامل رئيس في تنشئة أطفال أسوياء يمتلكون القدرة على دفع عجلة التنمية والبناء في بلدانهم. 


لاشك أن العلاقة بين الرجل والمرأة تكاملية بالأساس وليست تنافسية تقوم على الصراع لاسيما داخل الأسرة الواحدة، وقد نظم الإسلام –شأنه شأن الديانات السماوية- العلاقة بين الرجل والمرأة وأعطى لكل منهما الحقوق، وفرض عليهما الواجبات، دون تمييز أو إهدار لحق طرف على حساب الآخر، انطلاقًا من كون تكاملية العلاقة بين الزوج والزوجة، فكلاهما سكن للآخر بمعنى الاحتواء والاهتمام والاستقرار النفسي.


الأسرة السوية هي اللبنة الأولى في تكوين المجتمع الصالح ولا يمكنها أن تنهض بدورها في ظل زوجة مهضوم حقوقها، ولذلك وُضعت الضوابط الشرعية التي تحفظ حق المرأة سواء كانت زوجة أو ابنة أو أختًا أو أمًا، وهنا تنعقد قوة الأسرة وتماسكها بمدى حفظ ومراعاة الحقوق والواجبات بين أفرادها حتى بعد الممات.. 

فالالتزام بتلك الحقوق والواجبات بين الطرفين كفيل بتأمين السعادة الداخلية والسلامة من المشكلات التي تعوق رسالة أفرادها في الحياة. 


واليوم تتعرض قدسية تلك العلاقة الإنسانية، للانتهاك من جانب غير المختصين بشئون الأسرة، فقد خرج علينا هؤلاء عبر نوافذ ومنصات فضائية والإلكترونية عديدة بعبارات ومفردات جديدة وفكر يمكن وصفه بـ"المتطرف"، بهدف إعادة تشكيل تلك العلاقة وفق أهوائهم الشخصية، لا وفق الضوابط الشرعية والاجتماعية الصحيحة..

 

وللأسف تجد مثل هذه الأفكار الشاذة منفذًا إلى العقول وآذانًا تصغى إليه وتتداوله كأنه قاعدة صحيحة يجب على الزوج والزوجة الالتزام بها، حتى وإن أدى ذلك إلى تخريب العلاقة بينهما وإفساد حياتهما الزوجية وهنا تساءل مرصد الأزهر ونحن معه: كيف يتحقق السكن الذي من أجله وجد الزواج في تلك الحالة ؟! كيف يمكن للإنسان أن يكون مستقرًّا نفسيًّا وهو يعيش في حلبة نزال بين رغبته في تحسين علاقته بالطرف الآخر وبين فكر دخيل عليه يحذره من غدر هذا الطرف له في أية لحظة أو يرسم له خريطة التعامل مع الطرف الآخر؟! 

احذروا يا سادة فمثل هذه الدعوات الهدامة هدفها ضرب الاستقرار النفسي والاجتماعي للأسرة في مقتل؛ وهو ما يفتح الطريق لانهيار المجتمع وتطرفه.. وهنا فإن التوعية واجبة.. توعية ينهض بها متخصصون في الدين وعلم النفس والاجتماع ويتبناها إعلام رشيد لصد رياح الفتن وكبح جماح التطرف ببناء وعي صحيح يحصن المجتمع من السقوط في براثن الفوضى.

الجريدة الرسمية