رئيس التحرير
عصام كامل

استقيلوا يرحمكم الله

لم أعهد طوال حياتي حكومة هللت وصفقت لحصولها على قرض مثلما فعلت حكومة الدكتور مصطفى مدبولي عقب حصولها على موافقة صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 3 مليارات دولار، على الرغم من أنها لن تحصل عليه دفعة واحدة، بل على شرائح تمتد لـ 46 شهرا، تبدأ بشريحه عاجلة بقيمة 347 مليون دولار، لن تساهم سوى بشكل ضئيل في حل أزمة البلاد من النقد الأجنبي، التي تحتاج لـ 5 مليارات دولار بشكل عاجل وسريع، طبقا لأقل التقديرات.

ففي مشهد يدعو للعجب خرجت تصريحات الحكومة فور الإعلان عن موافقة إدارة الصندوق على القرض وكأنها تبشر بفتح عظيم، وليس قرضا سيضاف إلى رصيد مصر الضخم من الديون الخارجية التى بلغت قبل 9 أشهر وتحديدا فى مارس الماضي 157.8 مليار دولار، بل والمحزن أنها أرجعت فرحتها إلى أن موافقة الصندوق سوف تفتح المجال للحصول على قروض جديدة بقيمة 14 مليار دولار من الشركاء الدوليين، لتزيد من رصيد الديون دين على دين.

لست من هواة تصدير الإحباط ولن أكون، غير أن الحكومة بدت خلال الأيام القليلة الماضية وكأنها لا تعى حقيقية الأزمة، التي جعلت الدولار للمرة الأولى في تاريخ البلاد يحقق ارتفاعا يوميا متصاعد بمثل تلك الصورة، وسط ذهول وترقب من الجميع مما قد تسفر عنه المضاربات، وعند أي حد قد تستقر قيمة العملة الأمريكية، التي تفاوتت أسعارها خلال الأيام القليلة الماضية من شارع إلى شارع وبين دقيقة واخرى، فى مواجهة الجنيه المصري، الذي فقد ما يزيد عن 60% من قيمته خلال أقل من عام.

وعلى الرغم من تراجع سعر الدولار في مقابل الجنيه المصري بعض الشيء عقب الإعلان عن موافقة صندوق النقد على القرض المصري الجديد، إلا أن الواقع على الأرض يؤكد أن ذلك التراجع سيكون مؤقتا، وسيظل الجميع فى حالة ترقب وارتباك انتظار لتحرير جديد لقيمة العملة المصرية قد يحمله اجتماع البنك المركزي القادم.. 

فوضى الدولار

ولاسيما بعد رفع الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة مرة أخرى، ورغبة صندوق النقد في تحرير سعر الجنيه للمرة الثالثة هذا العام، وهو ما أجبر الاغلبية العظمى من التجار على وقف عمليات البيع وتعمد تخزين السلع، لتيقنهم من أن ما يبيعونه اليوم لن يستطيعون شرائه بذات السعر بعد دقائق، وهو ما جعل كل السلع المعروضة بالأسواق المصرية في الوقت الحالي تباع طبقا للأهواء.

دعونا نتفق أن فوضى الدولار والأسعار التي يعيشها المصريون هذه الأيام لم نشهد لها مثيلا حتى خلال فترات الحروب، وأن الحكومة اكتفت بالانضمام لمقاعد المتفرجين فى مواجهة مافيا المضاربة على الدولار التى يقوده فئة معروفة ومعلومة فى كل مدن وقرى مصر، وأن تركهم يعملون بتلك الاريحية بات ضربا لصميم الاقتصاد المصري، وتهديدا حقيقيا للأمن القومى للبلاد.

للأسف أن الحكومة التى وقفت من الأزمة وقفة العاجز انتظارا لقرض تافه، تعتبر أحد الأسباب الرئيسية في ما تشهد مصر الآن، بعد أن استجابت لشروط صندوق النقد وأقدمت على خفض قيمة الجنيه المصري مرتين خلال شهور، تحت زعم تقييم المؤسسات المالية الدولية للعملة المصرية بأقل من قيمتها الحقيقية فى الأسواق العالمية.

الرغم أن ذات تلك المؤسسات الدولية هي التي مازالت تخدعنا بتقاريرها المضللة التي تزعم أن الدين الخارجي المصري مازال في الحدود الآمنة، وأن الاقتصاد المصري سيكون ضمن الـ 5 الأقوى عالميا خلال بضع سنوات.

تحرير سعر الصرف

غير أن النتيجة كما يراها الجميع الآن، وها نحن نستعد لتحرير جديد لسعر الصرف، سيهبط من جديد بقيمة العملة المصرية التي ظلت محتفظة بقيمتها أمام الدولار لسنوات عند حد 16 جنيها، كما سترتفع أسعار كل السلع الأساسية وغير الأساسية التي سبق أن ارتفعت، وستستمر المضاربة على الدولار ولن تنتهي إلا بتحقيق قدرة البنوك على الوفاء باحتياجات العملاء من العملة الأمريكية، وسيظل التجار يفضلون الاحتفاظ بالسلع داخل المخازن انتظارا لتحقيق مكاسب أكبر من جيوب الفقراء.

المحزن أن قسوة الظرف التي لم تمتع الحكومة من التهليل والتصفيق للقرض، لم تمنع أغلب الأشقاء العرب أيضا من إدارة ظهورهم لمصر وكأنهم لا يعلمون شيئا عن حجم الأزمة، فى حين تفرغت دول عربية أخرى للعب دور تاجر الأزمة وراحوا يلهثون للاستحواذ على الشركات والبنوك والأصول المصرية.

قراءة المشهد تؤكد أن الحكومة باتت عاجزة عن الخروج بحل للأزمة سوى من خلال سيناريوهات ثلاثة على رأسها الاقتراض، وهو ما بدا جليا من خلال القرض الجديد وانتظار توابعه من قروض جديدة، والثاني بيع أصول البلاد للصناديق السيادية العربية.

أما ثالث تلك السيناريوهات فهي القوانين والقرارات التى تستهدف ما تبقى في جيوب المصريين الخاوية من الأساس، وهو ما بدأ من خلال القوانين التي صدرت مؤخرا كالفاتورة الإلكترونية وتراخيص المحلات، والعزم على إجراء تعديلات على قانون الضريبة على الدخل، ليصل بالإيرادات الضريبية الى 1.16 تريليون جنيه خلال العام المالي الحالي، أي ما يعادل 76.8% من إجمالي إيرادات الموازنة العامة للدولة.

لست ضد حكومة الدكتور مصطفى مدبولي واعتز بما قدمته من إنجازات حقيقية على الأرض خلال السنوات الماضية، غير أن صعوبة الأزمة الخانقة التي تعيشها مصر تفرض عليها ضرورة الاستقالة وإفساح المجال لكوادر اقتصادية جديدة تقود البلاد بعقلية احترافية خلال المرحلة القادمة، بعيدا عن ذل الاستدانة والتفريط في أصول البلاد وتفريغ جيوب المصريين.. وكفى.

الجريدة الرسمية