رئيس التحرير
عصام كامل

أفريقيا فى واشنطن وآسيا في بروكسل

سباق الأغنياء على استمالة الفقراء تجرى على قدم وساق ما بين بروكسل العاصمة البلجيكية وواشنطن، فى إطار الحرب الباردة التى تستهدف الصين في المقام الأول، المرشح الاقتصادي والعسكري الأول والأكبر لخلافة الهيمنة الأمريكية.


ليس صدفة بحال أن تشهد العاصمة الأمريكية قمة أمريكا وأفريقيا تحت شعار الازدهار، وليس صدفة أيضا أن تشهد بلجيكا قمة الاتحاد الأوربي وعشرة دول تمثل رابطة الأسيان، وهى رابطة تأسست من دول تقع جنوب شرقي آسيا وتضم الفلبين واندونيسيا وكمبوديا وفيتنام وتايلاند وماليزيا وسنغافورة ولاوس وبورما، وجميعها ذات علاقة وثيقة بواشنطن وأوروبا.

 

وصحيح أن هذه القمة الآسيوية الأوروبية تعتبر احتفالية بمناسبة مرور ٤٥عاما علي بدء العلاقات بين أوروبا والرابطة، إلا أنها تأتي متزامنة مع قمة أمريكا وأفريقيا على الشاطئ الآخر من الأطلنطي.
 

الصين والنفوذ الصيني والقوة الاقتصادية الناعمة المتغلغلة في افريقيا، هي الشغل الشاغل لأوروبا والآسيان ثم لأمريكا.. على الجانب الآخر دعت واشنطن ٥٠ زعيما أفريقيا من أصل ٥٤ دولة افريقية، ويحضرها بالطبع الرئيس عبد الفتاح السيسي، بحكم الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن منذ أربعين عاما،  وهي أول زيارة لرئيس مصر في عهد بايدن.

الصين وروسيا في افريقيا


ويمكن القول إن هذه القمة أرادتها أمريكا موازية وملاحقة للقمة العربية الصينية التى انتهت قبل أيام في الرياض،  ودشنت فيها الدول العربية وبكين مفهوم العالم متعدد الأقطاب، وليست أمريكا وحدها من يحرك الكوكب ويهيمن عليه. 

 

في العقدين الأخيرين، تمكنت الصين من الانتشار الهادئ في القارة الأفريقية، تمول مشروعات الكهرباء والسدود والطاقة والطرق والمدارس والمستشفيات، وتبلغ الاستثمارات المباشرة للعام الماضي قرابة الثلاثة مليارات دولار، ولا تتردد في إقراض دول أفريقية إلى حد الإغراق، مقابل المواد الخام والحضور السياسي، بديلا عن السطوة الغربية.

 

أما الاتحاد الأوروبي فإنه بقدر حرصه علي علاقات اقتصادية قوية مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فإنه مع رابطة دول جنوب شرقي آسيا، ينفذ الشق الأمنى للسياسة الأمريكية في المحيطين الهادي والأطلنطي، وهو شق مرتبط أيضا بالصين!


ليس سرا أن الاستراتيجية الأمريكية لتحديد العدو -كما أعلنها أوستن وزير الدفاع الأمريكي- ليس روسيا بل الصين في المدى المنظور، وبالتالي فإن تنامي القوة العسكرية الصينية والوجود الجوى والبحرى الثقيل للصين حول تايوان وفي بحر الصين الجنوبي، يمثل أكبر تهديد لدول حليفة لواشنطن والغرب وهي كوريا الجنوبية واليابان.


يلفت النظر في تصريحات وزير الخارجية الأمريكية أن بلاده لا يضيرها ارتباط الدول الافريقية بعلاقات قوية مع الغير، وبشر بايدن بأنه سيوصي بضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة دول العشرين، وعرض الأمريكيون ٥٥ مليار دولار للمساعدة في تخفيف وطأة التغير المناخي في القارة الأكثر تضررا.

 

وهو مبلغ اعتبرته دول حاضرة بالقمة أقل من المطلوب لعلاج الجفاف والتصحر ونضوب الزراعات والحرائق، ومشروعات الطاقة النظيفة. من المفارقات أن الصين ليست وحدها من حل محل الغرب في القارة الافريقية بل روسيا أيضا لها استثمارات كبيرة، لكن الغرب يلاحق التمدد الصيني، تحت مبدأ إنقاذ ما يمكن انقاذه.

 


الأفارقة إذن في موضع تنافس عليهم، من الشرق ومن الغرب، ليس عسكريا يستعيد الحقبة الاستعمارية بالقوة المسلحة، بل يعمل الأطراف الثلاثة، الصين والاتحاد الأوروبي وأمريكا على اقتسام مناطق نفوذ قابلة للتوسع بازاحة الخصم الكبير، يرونه دخيلا، جاء من أقصى الشرق إلى البيت الأفريقي الذي استعمروه، واستنزفوه قرونا!

الجريدة الرسمية