رئيس التحرير
عصام كامل

هكذا هم الحلفاء والأعداء

تمنينا مرارا عدم الاندفاع في العلاقات مع دول حليفة كانت أو معادية، وأن تبني مصر علاقاتها على قاعدة لا حليف دائم ولا عدو دائم بل مصلحة دائمة، لكن بقي النهج دون تغيير في وقت يبحث فيه الجميع عن مصالح بلدانه دونما اعتبار لأي تحالف مع الآخرين، وقد رأينا مواقف عدة آخرها الأزمة الاقتصادية التي تخلي فيها الجميع عن مصر بما فيهم الحلفاء، ومن وافق على المساعدة كان بشروطه حتى يربح ويستفيد على حساب مصر وشعبها.
  
أعلنت إسرائيل اليومين الماضيين بدء شق قناة بن غوريون، التي تهدف بشكل واضح وصريح لأن تكون بديلة قناة السويس، كما تهدد الأمن القومي المصري، ويجري إنشاء القناة بتمويل ميسر للغاية من الولايات المتحدة.. تسعى إسرائيل من وراء القناة إلى السيطرة على خطوط الملاحة الأهم عالميًا، ثم خنق قناة السويس وتحويل مكاسب العبور من خلالها إلى إسرائيل، كما تريد أن تصبح هذه القناة مع الموانئ الإسرائيلية، حلقة وصل بين آسيا وأوروبا، مستفيدة في ذلك من نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، بعدما أصبحت السيطرة المنفردة على مضيق تيران قانونًا من حق الرياض، وهو المضيق الذي يتحكّم في ملاحة خليج العقبة.

 

تهتم إسرائيل بالمنافذ البحرية لأن غالبية تجارتها مع العالم تجري عبر البحر، فضلا عن تحلية مياهه لاستخدامها في البيوت والمصانع واحتياجات الحياة، ولا ننسى أنّ البحر الأبيض المتوسط تحوّل إلى مصدرٍ مهم لإنتاج الغاز لها، من هنا تعمل على شقّ قناتها الخاصة لربط البحرين الأبيض المتوسط والأحمر.

 

تؤثر قناة إسرائيل سلبًا على مصر بشكل مباشر، حيث ستفقد أكثر من نصف عوائد قناة السويس، التي ستذهب إلى القناة الإسرائيلية، نظرا لسرعة حركة سفن الشحن فيها اعتمادا على حفر قناتين مستقلتين، واحدة من البحر الأحمر إلى الأبيض المتوسط، والثانية من البحر المتوسط إلى الأحمر، وبالتالي لن تتأخر أي سفينة مقارنة بوقت تستغرقه في قناة السويس، وتروج إسرائيل لقناتها بأن لديها ميزة إضافية تتعلق بطبيعة الأرض الصخرية الصلبة، التي يمكنها تحمل أي ضغط دون أن تتاثر بعكس قناة السويس، التي تحتاج متابعة دائمة لطبيعة الأرض الرملية.

قناة بن غوريون

وإلى جانب جني المليارات ستصبح إسرائيل المتحكّمة جغرافيًا لوجودها الدائم في البحر وربطها جميع المنافذ البحرية، كما ستحرص الدول المُصدّرة النفط والغاز، والمستقبلة واردات المنتجات الإسرائيلية والأوروبية الاستهلاكية، على علاقة وطيدة مع إسرائيل ضمانا لاستمرار مصالحها.

 

التأثير المباشر للقناة الإسرائيلية سيكون على مصر، لكنه يؤثر أيضًا على الأردن لقربها من حدودها البحرية، وربما تتعطّل مشاريع تخطط المملكة لتطويرها، مثل مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر ونقلها إلى المحافظات الأردنية، ومع هذا يرى أحد خبراء الأردن أنه باعتبارات المصلحة ستكون القناة الإسرائيلية أفضل للأردن، لكنها ستضع المملكة في موقف حرج مع مصر، متوقعا عدم استخدام الأردن لها فور افتتاحها لكنها ستلجأ إليها بعد ذلك، لاسيما أن القناة الإسرائيلية مقدمة لمشاريع أكبر منها مد خط أنابيب عبر الأردن لنقل النفط والغاز إلى أوروبا بعد تطبيع دول الخليج وبعض الدول العربية مع إسرائيل ما يجعل تمديد الخطوط يسيرا.


ولا ننسى مشروع خط السكة الحديد بين إسرائيل والأردن والإمارات بميناء حيفا على البحر المتوسط، لنقل بضائع إسرائيل إلى الإمارات في غضون يومين على الأكثر، بخلاف نقل الحاويات عبر قناة السويس الذي يستغرق 12 يوما، ما يسمح بوجود المنتجات الزراعية الطازجة، التي تفتقدها الإمارات ويعزز اقتصاد إسرائيل والأردن معًا.


تذكر قناة بن غوريون، بخطط إيرانية روسية وأمريكية قديمة للاستغناء عن قناة السويس أو إيجاد بدائل لها، إذ ترى إيران أن العبور من قناة السويس لا يخلو من مخاطر وان البديل الآمن لها ممر شمال - جنوب، الذي يربط المحيط الهندي والخليج مع بحر قزوين، مرورا بإيران، ثم التوجه إلى سان بطرسبرغ الروسية، وهو يختصر الزمن حتى 20 يوما والتكلفة إلى 30 في المئة.


بينما تحدثت الشركة الروسية "روس أتوم"، عن ممر بحر الشمال للنقل بين آسيا وأوروبا، في ظل استخدام روسيا أقوى كاسحات الجليد النووية لتسيير الحركة، إضافة إلى الذوبان السريع للقطب الشمالي ما يجعل المرور سهلا نظرا لأن مساحة طريق بحر الشمال أكبر بكثير من قناة السويس، وأقصر بنحو 40 في المئة.

 

 

وأحيت الولايات المتحدة، خطة تعود لستينيات القرن الماضي، جرى تداولها علنًا منتصف التسعينات، لحفر قناة في صحراء النقب بإسرائيل، وربط البحر الأبيض المتوسط بخليج العقبة، وفتح منفذ إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي، كبديل لقناة السويس.

علينا إذن النظر لمصلحة مصر وشعبها أولا وثانيا وعاشرا، ونترك عنا التعاطف والبحث عن حل مشاكل الآخرين، لأن الجميع يبحث عن مصالحه فقط.

الجريدة الرسمية