رئيس التحرير
عصام كامل

عندما بكى رئيس الوزراء

أثار النواب فى برلمانهم لغطًا وجدلًا كبيرًا استدعى حضور رئيس الوزراء إلى المجلس الموقر ليجيب عن الأسئلة الصعبة حول الأسواق وما يجرى فيها من نقص حاد فى بعض المواد الأساسية والمنتجات الضرورية التى تدعمها الدولة لصالح المواطنين.. وقف رئيس الوزراء أمام النواب وأمام كاميرات التليفزيون الرسمي وهو يقرأ من خطاب مكتوب: «أعتذر لكل رب بيت ولكل ربة بيت وجدت صعوبة فى الحصول على ما تحتاجه الأسر من مواد غذائية ضرورية»، وقبل أن يكمل غالبته الدموع فأخذ يبكى.

 

النواب استقبلوا بكاء رئيس الوزراء بحالة صمت أعقبها تصفيق حاد.. أكمل رئيس الوزراء متحدثا عن لوبى يقوم بتهريب تلك المنتجات، وقد تم ضبط مجموعات منظمة تقوم على هذا الغرض بقصد إحداث ارتباك فى الأسواق، ومن ثم إثارة القلق واللعب باستقرار الدولة.

 

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد دخلت النيابة العامة على الخط وفتحت تحقيقات موسعة للوقوف على أسباب الأزمة، ليصبح الملف مفتوحا على كل الاحتمالات.
ملحوظة: حدث ذلك فى دولة الجزائر الشقيقة.

 

«ملك.. شهيدة الإهمال»


قبل أسبوع من الدراسة كانت أم ملك ووالدها قد أعدوا العدة لبدء عام دراسي جديد، وبكل أحلام الآباء تمكنت الأسرة البسيطة من تجهيز الأمور بشكل يناسب إمكاناتهم. ارتدت ملك الزى المدرسى، وحملت حقيبتها، ومعها الأم تسير فى اليوم الأول الدراسى، وكانت ملك تعترض على مصاحبة الأم، بينما ترى الأمر ذاتها فى مصاحبة اليوم الأول.

 

تدخل ملك إلى محراب العالم المقدس لتتلقى دروس اليوم الأول.. تمضى ساعات قليلة، وأثناء فسحة المدرسة تتدافع الطالبات على السلم.. يسقط السلم فوق رءوس الجميع. خمس عشرة طالبة ينقلن إلى المستشفيات بإصابات مختلفة، أما ملك فقد نقلت إلى مساحة أكثر رحابة.. انتقلت بروحها إلى خالق كريم.. انتقلت ملك إلى ربها متأثرة بجراحها.. رحلت ليكون اليوم الأول هو آخر أيامها على الأرض.

 

لم يظهر رئيس الوزراء باكيا ولا حتى «متشحتفا» ولو من باب التعاطف المصطنع.. لم يظهر رئيس الوزراء أو وزير التعليم أمام النواب أو الكاميرات أو حتى أمام طالبات المدرسة ليعبر عن ألمه لهذا الحادث الأليم.. وراحت ملك ضحية الإهمال.

 

عم عادل بتاع البطاطا

عم عادل بتاع البطاطا غافلنى بسؤال من النوع المدهش: كم سعر الدولار اليوم يا أستاذ؟ وقبل أن أشرع فى اعتبار نفسى خبيرا وأجيب السائل عن سؤاله سألته: وإيه علاقتك بالدولار يا عم عادل؟ عم عادل أدهشنى أكثر عندما قال: أريد أن أضع تسعيرة للبطاطا بناء على سعر الدولار، إذ إننى عندما أشترى بضاعتى لاشك سيكون الفلاح قد وضع تسعيرة مرتبطة بالدولار.

 

ربما قدم لى ذلك تفسيرا لماذا تكون أخبار أسعار الدولار هى الأعلى قراءة بين المواقع الإلكترونية، وربما كان هذا الوعى المرتبط بكل ارتفاع فى الأسعار هو مربط الفرس. قلت لعم عادل: ليست المشكلة الأكبر فى سعر الدولار، وإنما فى وجوده، فلا أحد فى بلادنا يحادث الناس عن الواقع الذى نحياه، ولا أحد يهتم بما يشغل الجماهير.

 

ليس لدينا وزير سياسى، وحتى رئيس الوزراء رجل تكنوقراط لم يعمل يوما بالسياسة، وربما يعتبرها الرجل رجسا من عمل الشيطان وحرام التعامل معها أو بها. مصر خلت من السياسة، وأفرغت الأحزاب السياسية لصالح الإخوان على مدار قرابة الخمسين عاما منذ بدء تجربتنا التعددية الثانية، وربما كان كمال الشاذلى وصفوت الشريف ومفيد شهاب ومجموعتهم آخر من عمل بالسياسة أو تعامل بها.

 

 

مصر الآن جوفاء.. وزراؤها منزوعو الدسم والخبرة والفائدة.. وزراؤنا أقل خبرة من تلميذ فى مدرسة الوفد القديمة أو الأحرار الدستوريين قبل الثورة.. مصر بلا رجال يفهمون كيف يتعاملون مع مشكلات الجماهير بروح سياسية مرنة وقادرة على استيعاب غضب الناس.. ومسئولو مصر الآن يعتبرون ممارسة السياسة من نواقض الوضوء.. ولأننا نعيش عصر الوزير الأجوف والمسئول «الغشيم» فإن الناس ستظل تجرى خلف الشائعات وتصدقها، وربما تؤمن بها، وهو أمر جد خطير، وعواقبه أكبر من تصورات القابضين على الأمر.

الجريدة الرسمية