رئيس التحرير
عصام كامل

أمة صححت المسار

يحزن المرء على واقع بلده صاحب التاريخ وأقدم الحضارات، وهو يتخبط ويتراجع نتيجة سوء الإدارة، والأزمة العالمية، ويزداد الأسى مع رؤية شعوب في دول حديثة العهد تمتلك قرارها وقادرة على التغيير وتصحيح المسار في انتخابات نزيهة، لا حديث فيها عن دفع مبالغ طائلة لحزب الأغلبية ضمانًا لعضوية البرلمان، شعوب عاقبت الفاسدين وكذلك المتحالفين مع الحكومة ضد الشعب وأسقطتهم في الانتخابات ودفعت بدلا منهم بالإصلاحيين والمخضرمين ذوي الثوب الناصع والشباب الوطني.


أسفرت انتخابات مجلس الأمة في الكويت عن تسونامي تغيير، استطاع من خلاله الشعب فرض تركيبة جديدة، ملبيًا نداء القيادة السياسية، التي دعت إلى تصحيح المسار في الانتخابات بعد قرارها حل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة تنهي الاحتقان والأزمات في البلد.


معروف أن برلمان الكويت من أقوى وأشرس البرلمانات العربية منذ تأسيسه، وتمكن خلال محاسبته القاسية للحكومات المتتالية من إسقاطها وإجبارها على الاستقالة، لكن البرلمان الأخير شهد تحالفًا غريبًا بين الحكومة وكثير من أعضاء البرلمان ما زاد الضغط على الشعب، ومع معارضة قلة وطنية من نواب الأمة لما يحدث من محاباة للحكومة ضد الشعب تعطلت المسيرة والإنجاز، فاستجاب أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد، للرغبة الشعبية بتغيير الحكومة وحل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة..

 

 شهدت الانتخابات مشاركة قياسية وأفضت إلى تغيير كبير بلغ 54 في المئة، سقطت معه أسماء كثيرة وكبيرة من أعضاء البرلمان السابق، وبقيت أخرى كانت سندًا للشعب في وجه تحالف السلطتين، فيما نجح 12 نائبًا من برلمانات سابقة، والمفاجئة عودة المرأة إلى البرلمان بعد غيابها في المجلس السابق.

تغيير كبير

لم تقل نسبة التغيير التي فرضها الشعب في جميع الدوائر عن 50 في المئة وزادت في بعض الدوائر إلى 60 في المئة، ما يجعل مجلس الأمة صعب المراس، ولن تجد الحكومة سبيلًا للسيطرة عليه في ظل تنوعه الكبير، إذ تميز بعودة أسماء وطنية مخضرمة برلمانيًا وانتخاب شباب أكاديمي مؤهل من أكبر الجامعات العالمية، لكنه في الوقت ذاته لم يخل من القبلية والطائفية والأصولية.

 

لعل من أبرز ظواهر انتخابات مجلس الأمة الكويتى 2022 أن تمكن مرشحان في دائرتين مختلفتين، من الفوز بعضوية البرلمان وهما في السجن، بعد تورطهما في انتخابات فرعية تنظمها القبائل لاختيار المرشحين للبرلمان على أن يلتزم أبناء القبيلة بانتخاب الفائز في "الفرعيات"، ولأن الحكومة منعت الانتخابات الفرعية فقد ضبط الثنائي أثناء انتخابات فرعية القبيلة وأودعا السجن لكنهما سجلا سابقة وفازا بعضوية البرلمان.



المشاركة القياسية في الاقتراع وزيادة الوعي بدور النساء وجديتهن في العمل وقدرتهن على الإنجاز، منحت أكثر من مرشحة أرقامًا عالية، كان أبرزها المرشحة موضي المطيري، التي نالت عدد أصوات يفوق بكثير ما ناله فائزين بعضوية البرلمان في دوائر أخرى، لكنها كانت ترشحت في أصعب الدوائر الانتخابية ومع هذا حققت رقمًا لا يستهان به وهي اسما جديدا على الساحة وليس لها أي نشاط سياسي أو حتى اجتماعي، وقررت فجأة خوض الانتخابات وتمكنت بحديثها الصادق وتحليلها الدقيق للواقع من استقطاب كثير من الناخبين، ومؤكد أنها ستنال عضوية البرلمان في أي انتخابات مقبلة.


في الوقت ذاته تمكنت المرأة من العودة إلى البرلمان ممثلةً في النائبتَينِ عالية الخالد ود.جنان بوشهري، اللتان تتمتعان بعلم ومهنية وتخصص واحترام وخلق رفيع، ولديهما أجندة وطنية تتصدرها التنمية ومواجهة الفساد، وبعد فوزها بعضوية البرلمان نفت د.جنان بوشهري، دخولها الوزارة مجددا، خصوصا أن الحكومة ونواب البرلمان خذلوها حين كانت وزيرة وأصرت على الإصلاح ومحاربة الفساد، لكنها وجدت أن الفساد أقوى فاستقالت من الحكومة، لتدخل البرلمان من أول مرة تخوض فيها الانتخابات. 


اكتسح النائب المخضرم ورئيس البرلمان الأسبق أحمد السعدون، الانتخابات برقم تصويت تاريخي، يفوق ضعف أعلى رقم في الدائرة الانتخابية ما يعكس الاحتفاء الشعبي بعودته البرلمانية بعد توقف سنوات، وهو الذي قاد المعارضة في الكويت سنوات طويلة كما تولى رئاسة البرلمان لدورات عدة، وبعودته هذه المرة ضمن رئاسة البرلمان أيضًا في ظل الاحتفاء الكبير به.  

 

 

تمكنت الحركة الدستورية الإسلامية "الإخوان المسلمين" من الحفاظ على مقاعدها وتعزيزها بفوز اثنين من المقربين منها، والأمر نفسه بالنسبة للتيار السلفي، الذي غاب عن البرلمان السابق ليعود بخمسة مقاعد نيابية، وهناك توجه لتأسيس كتلة برلمانية إسلامية موحدة، ليصبح للتيار الأصولي تأثيرا واضحا في البرلمان، وما حدث مع الإخوان والسلف، تكرر مع الكتلة الشيعية، التي قفزت مقاعدها إلى 9 نواب بدلا من 6 مقاعد في البرلمان السابق.

أشاع النجاح الشعبي في تغيير أكثر من نصف النواب، روح التفاؤل بالتغلب على الأزمات وشق الكويت طريقها إلى المستقبل بوجود حكومة لن تتمكن من السيطرة على البرلمان ولن تجد أمامها إلا الانحياز للشعب وتحقيق مطالبه.

الجريدة الرسمية