رئيس التحرير
عصام كامل

تفاصيل انطلاق مؤتمر الأوقاف الدولي.. مختار جمعة: الاجتهاد الجماعي يحقق التقارب بين العلماء.. وكيل الأزهر يشيد بموضوع المؤتمر.. ووزير الأوقاف السعودي: السيسي باني مصر الحديثة

الدكتور محمد مختار
الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف

انطلق مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الثالث والثلاثين، اليوم السبت 24 سبتمبر 2022م، بعنوان: الاجتهاد ضرورة العصر (صوره.. ضوابطه.. رجاله.. الحاجة إليه)، بحضور مل يزيد 200عالما ومفتٍ واعلامي. 
 
ويستمر المؤتمر لمدة يومين بأحد فنادق القاهرة، يشاركون في أعمال المؤتمر، ويناقشون (41) بحثًا من خلال خمسة محاور، والمحور الأول: الاجتهاد ضرورة ملحة في عصرنا الحاضر، والمحور الثاني: صور الاجتهاد وضوابطه والثالث: المجتهدون وإعدادهم والرابع: نماذج عصرية ملحة في المجالات الاقتصادية والطبية والبيطرية والبيئية وغيرها، والخامس: نماذج مختارة للاجتهاد المؤسسي. 
 
 


و قال رئيس المؤتمر الدكتور محمد مختار، وزير الأوقاف، ما نحن فيه اليوم بفضل الله نفير علمي، للوقوف على مستجدات العصر والبحث عن مشكلاته، وأننا نجتمع خدمة لديننا ووطني ونبحث عن حل لأمور حياتنا المعاصرة. 


الفتاوى الشاذة  


وأوضح وزير الأوقاف خلال المؤتمر الذي يعقد تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، أن الاجتهاد ضرورة العصر، فقد عانينا في مجتمعاتنا المسلمة وعانى العالم كله من الفتاوى الشاذة والمؤدلجة على حد سواء، كما عانينا من افتئات غير المؤهلين وغير المتخصصين وتجرئهم على الإفتاء والذهاب إلى أقصى الطرف تشددًا وتطرفًا يمينيًّا، أو انحرافًا وتطرفًا يساريًّا، فإذا أضيف إلى هؤلاء وأولئك محبو الظهور من اللاهثين خلف كل شاذ أو غريب من الآراء، تأكد لدينا أننا في حاجة إلى إرساء وترسيخ قواعد الاجتهاد وضوابطه، وبخاصة الاجتهاد الجماعي في القضايا التي لا يمكن البناء فيها على الأقوال الفردية، والتي تتطلب الفتوى فيها خبرات متعددة ومتكاملة، ولا سيما في القضايا الاقتصادية والطبية والبيطرية وشئون الهندسة الزراعية وغير ذلك من مفردات حياتنا ومستجدات عصرنا التي تحتاج إلى رأي أهل الخبرة لتبنى عليه الفتوى. 
 
 

أسباب التطرف  


وأوضح أنه لا شك أن هذا الاجتهاد الجماعي سيسهم بشكل كبير وواضح وبنَّاء في القضاء على الآراء الشاذة، وعلى إزالة كثير من أسباب التطرف، والانغلاق، والجمود، والتقليد الأعمى، وسوء الفهم، والوقوف عند حرفية النصّ، والابتعاد عن فقه المقاصد والمآلات، وعدم فهم القواعد الكلية للتشريع، وإتاحة الفرصة لتصدر غير المؤهلين وغير المتخصصين لبعض جوانب المشهد الدعوي، مشيرا إلى أن هذا الاجتهاد الجماعي يمكن أن يؤدي إلى تحقيق جانب كبير من التقارب بين العلماء، ويزيل كثيرًا من أسباب الفُرْقَة والخلاف، مما يسهم - بلا شك - في وحدة صف الأمة، ولا سيما في مواجهة الأفكار الشاذة والمنحرفة والضالة والمتطرفة هذا وقد فتح الإسلام باب الاجتهاد واسعًا، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "إِنَّ الله (عز وجل) يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا"، وطبعيّ أن هذا التجديد لا يكون إلا بالاجتهاد والنظر ومراعاة ظروف العصر ومستجداته. 


ثوابت العقيدة  


وأكد وزير الأوقاف أن المساس بثوابت العقيدة والتجرؤَ عليها وإنكار ما استقر منها في وجدان الأمة لا يخدم سوى قوى التطرف والإرهاب وخاصة في ظل الظروف التي نمر بها؛ لأن الجماعات المتطرفة تستغل مثل هذه السقطات أو الإسقاطات لترويج شائعات التفريط في الثوابت؛ مما ينبغي التنبه له والحذر منه، فإذا أردنا أن نقضي على التشدد من جذوره فلا بد أن نقضي - كذلك - على التسيب من جذوره، فلكل فعلٍ ردّ فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه. 

 

وفي كلمته أشاد الدكتور عبد الرحمن الضويني، وكيل الأزهر بموضوع المؤتمر معربًا عن سعادته بهذا التوفيق الذي حالف المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف في طرح قضية في غاية الأهمية ألا وهي قضية الاجتهاد ومعالجتها في هذه المحاور الجامعة والتي ستكون أنوارًا كاشفة لهذا التحريف الذي لحق بهذا المفهوم المفترى عليه، مؤكدًا أن الاجتهاد مكون أصيل من مكونات هويتنا وحضارتنا، وكتب أهل العلم على مختلف عصورها شاهدة بأن العلماء الأمناء راقبوا ما يدور في جنبات أزمانهم بعين البصيرة والحكمة وتفاعلوا مع هذا الحراك الحياتي الذي يمكن أن نسميه الاجتهاد الواعي، وأن المتأمل لما كتبه هؤلاء العلماء الأجلاء يقف إجلالًا وتعظيمًا لهذه العقول المبدعة التي يسرت لنا فهم الدين ووضحت لنا طرائق الاجتهاد وبذلت أعمارها في بناء الحضارة وتشكيل ملامحها.

وأكد أنه إذا كان هذا الاجتهاد الواعي فريضة حضارية فإنه كذلك ضرورة مجتمعية تشتد الحاجة إليه في وقت توصف فيه أحكام الإسلام وحضارته بالجمود والانغلاق، في وقت تتطلب فيه الحياة أحكامًا مرنة تستجيب للواقع من ناحية ولا تناقض الثابت المستقر من الأحكام من ناحية أخرى، مشيرًا إلى أن الاجتهاد الواعي ليس شعارًا أو تنظيرًا، وإنما هو ما ينقل الأمة من الكسل العقلي إلى حالة من النشاط الفكري الذي يمكن صاحبة من طرح رؤًى مبدعة تتوافق مع حاجة الإنسان المتباينة من عصر إلى عصر وتحفظ عليه إيمانه وعقيدته في مواجهة أمواج الفتن والمغريات، وأن هذا الاجتهاد الواعي دليل واضح على خصوبة الشريعة وسعة أحكامها بما يضمن الاستجابة لحاجات الناس مع المحافظة على حق الله (عز وجل). 


تطورات الواقع 


وأوضح أن تطورات الواقع في كافة المجالات تنشئ الكثير من المستجدات ومع ذلك لا يباح لأي إنسان أن يتكلم في ما لم يحسن فهمه مدعيًا بذلك الاجتهاد، وأن العلماء القدامى مارسوا الاجتهاد بموسوعة فكرية كانت ضمانًا حقيقيًّا للتقريب إلى الصواب والعصمة من الزلل.
مؤكدًا أن عصرنا يحتاج إلى اجتهاد جماعي متعدد الرؤى من خلال علماء المجامع الفقهية بعيدًا عن الاجتهادات الفردية، وأن الواقع يفرض التخصص والمؤسسية والجماعية في الاجتهاد، وأن غير المؤهلين يتصدرون للكلام باسم الدين فيسيئون ولا يحسنون ولا يراعون حال الأمة ولا واقع المجتمع ومتطلبات الوطن، وأن الاجتهاد ضروري في كل زمان فالنصوص متناهية والحوادث غير متناهية، وأن الاجتهاد أشد ضرورة خاصة بعد ما حمله العصر من أدوات أتاحت المعلومات وسهلت التواصل بين العلماء والخبراء، مما دفع غير المؤهلين إلى التصدر ونشر آراء تأخذ بمن يقذف بها إلى غيابات التطرف المظلم دون التفريق بين القطعي والظني، والجزئي والكلي، مما يتوجب علينا الانتشار كمًّا وكيفًا عبر الوسائل المتاحة مع ضرورة التأسيس لاجتهاد جماعي يقطع الطريق على أي انحراف فكري مع وضع نظم للاجتهاد الجماعي المعاصر، للوصول إلى الدقة في التكييف وإدراك واع للواقع لنتمكن من التأصيل الشرعي والواقعي لغلق الباب أمام من لا يحسن الاجتهاد.
وأكد أن ديننا رفع عن العقل الحجر والوصاية وأطلقه من أسر الوهم وقيود سوء الفهم وأن إعمال العقل مطلوب شرعًا، وأن العقل لن يهتدي إلا بالشرع، والشرع لم يتبين إلا بالعقل، فالعقل كالأساس والشرع كالبناء، ولن يغني أساس ما لم يكن بناء، ولن يثبت بناء ما لم يكن أساس كما قال الإمام الغزالي (رحمه الله تعالى)، موضحًا أن العالم اليوم بحاجة ماسة لانعقاد هذا المؤتمر الذي يعالج ويتناول قضية الاجتهاد، مشيرًا إلى أن الاجتهاد في عصرنا الحالي يقتضي أن يكون اجتهادا جماعيًا ومؤسسيا لتعدد التخصصات العلمية وتشابك القضايا من علوم عدة ناهيك عما تتيحه الرقمنة من إمكانيات لم تتح لفقهائنا الأوائل.


نهضة الأمة 


وأشار إلى أن تحقيق نهضة الأمة لا يكون إلا بالسير في خطين متوازيين، الأول: خط ينطلق من القرآن والسنة ثم مما يتناسب وقضايا العصر من كنوز التراث مع مراعاة التعدد في الفهم والفكر والرأي مما لا يخرج من قواعد المناهج المستقرة دون احتقار التفكير والنظر وقصر الحق في مذهب واحد دون غيره إذ مثل هذا الخطاب لم يعرفه الإسلام في أي عصر من عصور الازدهار أو الضعف، والثاني: خط مواز ننفتح فيه على الآخرين بهدف إكمال عناصر التقاء يمكن توظيفها في تشكيل إطار ثقافي يضم الجميع تحت إطار صيغة وسطى تحترم الهويات وتصون المجتمعات وتؤمن الأوطان بما لا يصادر فيه تراث على حداثة ولا تجور فيه حداثة على تراث، مشيرًا إلى أننا يجب أن نعمل على زيادة الوعي بما في الواقع من تحديات وأن نعرف ما يراد بأوطاننا وأمتنا وأن نقوي ثقة الناس في مؤسساتنا، وأن نستفيد من معطيات الواقع حتى لا نتخلف عن ركبه.


وفي كلمته قال الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ وزير الدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، إن الرئيس عبدالفتاح السيسي هو باني مصر الحديثة، في زمن كثرت نوازله وتعددت مسائله وتحمل العلماء حمل ثقيل في استنباط الأحكام والتعامل مع النازلة ودراستها دراسة كاملة  وتوضيح الحكم الشرعي فيها. 


الاجتهاد الجماعي 


وتابع "آل الشيخ" أن المهمات في واقعنا المعاصر، خاصة أن يكون اجتهاد اجتماعي ومؤسسي وفق نظرة عامة وتكون المناقشات قبل بيان الحكم،  مبينا أن هذه الممارسات مرت عليها بلادنا في عصورها الثلاثة وأنشأ مجلس كبار العلماء بالمملكة يستفيد من خبرات أهل الاجتهاد،  ضبط الاجتهاد وتأهيل المجتهد ضرورة، فإعدادهم من الأهمية بمكان فقد كان رسولنا يسأل أصحابه وينزلهم منازلهم وفق قدراتهم حرصا منه صلوات الله عليهم وعلى الأمة. 

وأشار إلى أننا في زمن كثرت فيه التحديات وقل المجتهدون وكثر المتطفلون وإقامة المؤتمر وضع لموضع الألم،  فقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من هؤلاء المنسلخون،  وشدد الشرع في مسائل القتل وجعل في الخطأ دية تسلم لأهل المقتول.  
وشدد أنه من الضرورات بيان حقوق المعاهدين والمستأمن في شرعنا،  ولا يجوز انتقاص حقه ويعامل باللين، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.

 

ووجه الدكتور محمد مطر الكعبي، رئيس الهيئة العامة لشئون الأوقاف بالإمارات، الشكر للرئيس عبد الفتاح السيسي على رعاية مؤتمر وزارة الأوقاف الدولي قائلا: من أبو ظبي راعية الفكر المعتدل وعاصمة السلام إلى أرض العروبة مصر الأزهر والسلام أحمل إليكم سلاما بالتقدير والمحبة، وشكرا لأرض مصر رئيسا وحكومة وشعبا. 


وأضاف: الاجتهاد ضرورة حامية في كل زمان ومكان وتزداد  الحاجة إليه في كل الأوقات خاصة في ظل الظروف الصعبة من كورونا والأوضاع الاقتصادية والحروب والتوترات الطائفية وازدياد التحلل من القيم الأخلاقية. 


ونبه إلى أهمية أن يقوم العلماء باجتهاد جماعي مؤسسي عنوانه التيسير ومراعاة مقاصد الشريعة وأن تراعي واقع الناس، وأن تنطلق من مظلة الدولة الوطنية، والنظر في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والكليات الست من حفظ الدين والمال والنفس والعرض.  


وطالب رئيس الهيئة العامة لشؤون الأوقاف بالإمارات بتقديم حلول فقهية في ظل ما يشهده العالم، وإنشاء موسوعة في الاجتهاد مرجعا لطلاب المعرفة تنطلق من التسامح والسلم والأخوة الإنسانية.

الجريدة الرسمية