رئيس التحرير
عصام كامل

شبح الإفلاس

هل نحن بالفعل على شفا الإفلاس ومواجهة شبح التوقف عن سداد ديون مصر الخارجية، فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تحيط بالبلاد، وكم الأعباء الثقيلة التى تحتم علينا ضرورة الالتزام بسداد كم كبير ومرهق من أقساط وفوائد الديون على مدار السنوات الـ 5 القادمة، أم أن مصر يمكنها تخطي تلك الأزمة الخانقة والعودة للانطلاق خلال وقت قريب؟

 

يقينى أن السؤال مرعب، ويدور فى أذهان الجميع دون إعلان، غير أن الأغلبية فى حالة تشويش وعدم قدرة على وضع تصور لما يمكن أن تكون عليه الأوضاع الاقتصادية في مصر خلال الفترة القادمة، من خلال قراءة متأنية للمشهد الذى يتطلب ضرورة المصارحة الكاملة من الحكومة، منعا للتأويلات والاجتهادات الخاطئة التي تنعكس بالسلب على الجميع.

 

ولاننا هنا لا نستهدف سوى الحقيقة، فإن الواقع على الأرض يقول أن الاقتصاد المصري يمر بالفعل بأزمة كبيرة، غير أننا لسنا مثل سريلانكا ونمتلك من الموارد والخيارات التمويلية والاحتياطى النقدى ما يمكننا من تفادي خطر الإفلاس والتخلف عن سداد الديون، إلا أن ذلك مرهون بوجود إرادة ومواجهة حقيقية للواقع دون تجميل، واتباع سياسات اقتصادية أكثر صرامة، يتم بمقتضاها التوقف بشكل كامل عن الاقتراض، والاتجاه بخطة التنمية نحو المشروعات الصناعية والزراعية، وترشيد الإنفاق، والسيطرة على منافذ تسريب العملة الأجنبية الواردة للبلاد وما أكثرها.

 

كما تقتضي المصارحة ضرورة الإعتراف بأننا فى حاجة سريعة لتدبير ما يزيد عن 40 مليار دولار لتغطية العجز فى الموازنة ومتطلبات الديون حتى نهاية عام 2023، من بينها التزامات ديون بقيمة 5 مليارات دولار خلال الربع الأخير من العام الحالي، وأخرى بقيمة 9 مليارات دولار خلال العام القادم، وديون قصيرة الأجل بقيمة 26.5 مليار دولار يتعين سدادها على مدار العامين القادمين، الى جانب ديون لمؤسسات دولية يحتم سدادها فى النصف الثاني من العام الحالي بقيمة 2.4 مليار دولار، و6.14 مليار دولار خلال العام القادم.

 

ولسوء الحظ، فقد فرض على مصر مواجهة تلك الأزمة الخانقة، في الوقت الذى وصل فيه قيمة الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية بالبنك المركزي المصري إلى نحو 33.14 مليار دولار، بعد أن فقد 20% من قيمته منذ مارس الماضي، نتيجة الارتفاع الضخم في فاتورة الاستيراد التى وصلت خلال ال 9 أشهر الأولى من العام المالي الماضي إلى نحو 66 مليار دولار، فى الوقت الذى فقدت فيه مصر أيضا نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة، نتيجة لانسحاب أغلب تلك الأموال من الأسواق الناشئة ومن بينها مصر، بسبب رفع البنك الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة عدة مرات خلال العام الحالي.

دعوة للتفاؤل

وعلى الرغم من امتلاك الدول العربية نحو 25% من ديون مصر الخارجية التى بلغت في نهاية مارس الماضي نحو 157.8 مليار دولار، وامتلاك صندوق النقد الدولي لنحو 15% فقط من قيمة تلك الديون، إلا أن لغة الأرقام تقول أن الاقتصاد المصري بحاجة إلى تدبير نحو 83.8 مليار دولار قيمة ديون متوسطة وطويلة الأجل تستوجب السداد على مدار السنوات ال 5 القادمة، من بينها 8.57 مليار دولار خلال النصف الثاني من العام الحالي، و17.6 مليار دولار من العام القادم، و24.2 مليار دولار في عام 2024، و15.1 مليار دولار في عام 2025، و16.8 مليار دولار في عام 2026، و10.1 مليار دولار في عام 2027.

 

وعلى الرغم من أن الأرقام السابقة تعكس حجم الأزمة التى سيواجهها الاقتصاد المصري خلال السنوات الخمس القادمة، إلا أن ذلك لا يدعو للتشاؤم أو يعنى عدم القدرة على السداد، ولاسيما وأن العبرة اقتصاديا ليست بحجم الديون ولكن بالقدرة على الوفاء بالتزاماتها، وهو ما نجحت الحكومة المصرية فيه بالفعل خلال السنوات الماضية، مخالفة تقارير عديدة صدرت من مؤسسات دولية كانت قد توقعت عجز مصر عن الوفاء بمتطلبات ديونها الخارجية منذ عام 2013.

 

ولعل ما يدعونى للتفاؤل رغم قسوة المحنة، أن الأرقام الرسمية المعلنة خلال الشهور الأخيرة عن واردات مصر من النقد الأجنبي تعتبر مبشرة للغاية، وذلك بعد أن حققت قناة السويس إيرادات تعتبر الأعلى فى تاريخها حتى يوليو الماضى بقيمة 7 مليارات دولار، وارتفعت تحويلات المصريين العاملين بالخارج حتى يوليو الماضى لتسجل 29.1 مليار دولار، وقفزت عائدات الصادرات غير البترولية إلى 19 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الحالي.. 

 

وسجلت عائدات السياحية خلال ال 9 أشهر الأخيرة نحو 8.2 مليار، وقفز فائض الميزان التجاري البترولي لنحو 4.1 مليار دولار، وسجلت عائدات صادرات الاسمدة والكيماويات نحو  4.3 مليار دولار، وسجلت عائدات صادرات قطاع البناء نحو 3.7 مليار دولار، وجميعها أرقام تدعو للتفاؤل.

 

 

أزعم أننى دائم التوجس مما يرد بتقارير المؤسسات المالية الدولية، ولا أراهن كثيرا على صحة توقعاتها فيما يتعلق بحقيقة وضع الاقتصاد المصري، وأشعر أن أغلبها كان ومازال يتعمد -عن قصد- توريط مصر والدفع بها نحو مزيدا من الاقتراض، وهو ما يدعونى إلى مناشدة الحكومة بعدم التعويل على تلك التقارير، والتركيز في حقيقية الأزمة القاسية التى يمر بها الاقتصاد المصري على أرض الواقع، وتبنى سياسات اقتصادية أكثر شفافية وصرامة، يتم من خلالها التوقف تماما عن الاقتراض، والتوجه بخطة التنمية نحو المشروعات الزراعية والصناعية، والحد من كافة أوجه السفه فى الإنفاق، والسيطرة على منافذ تسريب العملة الأجنبية، لعلنا ننجو.. وكفى.

الجريدة الرسمية