رئيس التحرير
عصام كامل

عمل باليومية بسبب الفقر.. 35 عامًا على اغتيال ناجي العلي ولا يزال القاتل طليقًا

الفنان ناجى العلى
الفنان ناجى العلى وشخصيته الكاريكاتيرية الشهيرة "حنظلة"

رصاصة من مسدس كاتم للصوت انطلقت من مجهول على عبقري الكاريكاتير الفلسطيني الفنان الرائع ناجي العلي، وهو فى طريقه إلى مكتب صحيفة القبس الكويتية بلندن فأصابته في وجهه تحت عينه اليمنى، ونقل على إثرها إلى المستشفى، واستمر فيه أكثر من شهر في العناية المركزة حتى رحل في مثل هذا اليوم 29 أغسطس عام 1987 عن خمسين عاما، ودفن  بمقبرة بروك وود الإسلامية في لندن لصعوبة نقله إلى فلسطين.

ناجي العلي هو الأيقونة الذي رسم مدينة بيروت في مراحل مختلفة من حربها الأهلية، وتمزقها الطائفى والاعتداءات الإسرائيلية عليها.. بيروت التي أحبها واعتبرها امتدادا للقضية الفلسطينية التي ناضل من أجلها. 

 رسومات ناجي العلي

جسدت رسومات ناجي العلي أوضاع وأشكال المخيمات والمعتقلين الفسطيينين والخلافات العربية والخلافات الفلسطينية الحرب الأهلية وابتكر عدة رموز وشخصيات يحاكي بها واقع شعبه، وكانت أبرزها "حنظلة - فاطمة".

أحد رسومات ناجى العلى 

أبدع ناجى العلي، ورسم نحو 40 ألف رسمة كاريكاتير، وأبدع شخصيات كثيرة كلها تدور حول المجتمع والفقر والظلم من واقع شعبه كان أشهرها "فاطمة، حنظلة". 
ولد ناجى العلي عام 1936 فى قرية الشجرة بمدينة الجليل، وخرجت عائلته من القرية بعد النكبة الفلسطينية الى جنوب لبنان، وهو في الثانية عشرة من عمره عام 1948، وعاش فى مخيم عين الحلوة، والتحق بمدارس الأونروا التابعة لاتحاد الكنائس، لشدة فقر أسرته. 

عامل باليومية 

ونظرا لظروف الحياة القاسية في المخيمات لم يستطع ناجى العلى إكمال تعليمه، وبدأ يعمل باليومية فى الحقول فى قطف ثمار البرتقال ثم التحق بمدرسة راهبات لتعلم الميكانيكا وافتتح بعدها ورشة لتصليح السيارات فى خيمة بمخيم شاتيلا.
ظهر اهتمامه بالرسم خلال اختلاطه بالفنانين المتواجدين معه فى المخيم ثم التحق بصفوف حركة القوميين العرب، وأصدر نشرة سياسية باسم “الصرخة” كانت بمثابة تعبيرة عن قسوة الحياة التي عاشها.

رسومات الصرخة 

وبسبب كتاباته ورسومه بالصرخة قبض عليه أكثر من مرة من جانب قوى الأمن اللبنانى، لكن استمر ناجى العلى يعبر عما بداخله بالرسم على جدران السجون والثكنات العسكرية اللبنانية.
اشترك ناجي العلي فى فرقة المسرح الخاصة بحركة القوميين العرب، واتجه إلى رسم الكاريكاتير، وكانت أولى رسوماته التى وضعته فى مصاف فنانى الكاريكاتير بالصحف العربية التى نشرها فى مجلتي الصرخة والحرية التابعتين لحركة القوميين العرب.. والرسم عبارة عن خيمة تعلوها يد تلوح بالرفض "علامة لا" عام 1961، وذلك بعد ان أعجب الأديب الفلسطيني غسان كنفاني برسوماته أثناء زيارته يوما لمخيم عين الحلوة، فقام بمساعدته على نشر لوحاته الأولى.

فاطمة وحنظلة شخصيات كاريكاتير ناجى العلى 

في الطليعة الكويتية

في سنة 1963 م سافر إلى الكويت ليعمل محررا ورساما ومخرجا صحفيا فعمل في الطليعة الكويتية، وكانت أولى رسوماته فيها عبارة عن لص يدخل بلدية الكويت، ويخرج منها صائحا سرقونى، انتقل بعدها للعمل في السياسة الكويتية، السفير اللبنانية، القبس الكويتية.

انتقد ناجى العلى الدعم الامريكي لإسرائيل وعلاقات إيران بتل أبيب فى عهد الشاه، ودعم المقاومة الفلسطينية ولازمته فى رسوماته شخصية حنظلة حتى آخر لحظة فى عمره.
وشخصية حنظلة هى رمز للفلسطيني المعذب والقوي رغم كل الصعاب التي تواجهه فهو شاهد صادق على الأحداث ولا يخشى أحدًا. ولد حنظلة يوم نكسة 67، ويقول ناجي العلي: إن حنظلة هو بمثابة الأيقونة التي تمثل الانهزام والضعف في الأنظمة العربية.

فاطمة القوية 

أما فاطمة فهى المرأة القوية التي لا تضعف ولا تهادن، وهناك شخصيتان أخريان، الأولى شخصية السمين ذي المؤخرة العارية ممثلا به القيادات الفلسطينية والعربية المرفهة والخونة الانتهازيين، وشخصية الجندي الإسرائيلي طويل الأنف الذي يرتبك ويهتز أمام حجارة أطفال فلسطين، ويبدو خبيثا وشريرا أمام القيادات الانتهازية.

اتهام المنظمة 

منذ بدأت التحقيقات في مقتل ناجى العلى  لم تعرف الجهة التي كانت وراء الاغتيال، واختلفت الآراء حول ضلوع إسرائيل أو منظمة التحرير الفلسطينية أو المخابرات العراقية أو أنظمة عربية، ولا توجد دلائل ملموسة تؤكد تورط هذه الجهة أو تلك.تعالت الأصوات التي تتهم منظمة التحرير الفلسطينية بالضلوع في الجريمة.

وقال معلقون في الشرق الأوسط: إن مقتل ناجي العلي يأتي في إطار حملة تقوم بها منظمة التحرير الفلسطينية لتكميم أفواه منتقديها في أوروبا والشرق الأوسط، ولكن منظمة التحرير الفلسطينية نفت المسؤولية عن الاغتيال.

وصرح دين هييدن، رئيس قيادة مكافحة الإرهاب في الشرطة البريطانية في التحقيقات انه شوهد شاب مسلح يتبع ناجي العلي لمدة 40 ثانية قبل أن يطلق النار عليه، ورغم قصر مدة الهجوم تمكن الشهود من توصيف المشتبه به وصفًا جيدًا.

القاتل حر طليقا 

وبعد مرور خمسة وثلاثين عامًا على مقتل رسام الكاريكاتير الفلسطيني الشهير ناجي العلي، افتتحت الشرطة البريطانية التحقيق في مقتله من جديد بعد الحصول على معلومات عن شخص كان يحمل سلاحا شوهد يقود سيارة مغادرا موقع الحادث، وأيضا لم تصل الى شئ وظل القاتل مجهولا. 

الجريدة الرسمية