رئيس التحرير
عصام كامل

أنت حسن الهلالي!

التطور تسبب في نسبية الأشياء حولنا وبيننا.. ليس فقط التطور العلمي الذي حول أمراض كثيرة كانت خطرة ومرعبة للأسرة المصرية قبل سنوات طويلة حتي أنك تجد في السينما قديما عائلات تنهار لمجرد إصابة ابنها بالحصبة مثلا.. واليوم هي كنزلات البرد.. وفي الدراما القديمة -ونستند إليها لنقلها للواقع وقتها- تجد أحدهم مثلا يقول للآخر "إنت داخل علي الخمسين ولحد النهارده مشلناش لك حفيد ولا حفيدة"..

 

بينما تجد الفنان الكبير عبد الرحيم الزرقاني يؤدي دور لرجل في الأربعين من عمره تفانت زوجته الفنانة الكبيرة علوية جميل في الوفاء له، حتي ولأنها لم تنجب تبحث له عن عروس تحقق أمنيته في الإنجاب!! والزرقاني كعبد الوارث عسر.. لم تره شابا علي الشاشة قط ولن تراه شابا عليها أبدا! ولم يكن في خلد أحد وقتها أنه سيأتي يوم يتزوج فيه الناس أصلا وهم في الأربعين وما بعد الأربعين وعلي مشارف الخمسين!!

نسبية إجتماعية


وفي بعد آخر للنسبية الاجتماعية (إذا جاز التعبير) يجوز جدا أن تلتقي بصديق لك أو قريب لم تره منذ سنين عديدة لدرجة بعد السلام عليه والترحيب به يسأل أحدكما الآخر "لينا قد إيه مشفناش بعض"؟ فيرد الآخر: ياااه كتير اوي.. يمكن خمسة وعشرين سنة ولا حاجة.. فيرد الأول مقاوحا: لا يا راجل مش للدرجة دي! فيلجأ الثاني للذاكرة وللتاريخ لحسم الجدل فيقول: اومال إيه.. مش نقلنا من البلد بعد الإعدادية علي طول؟ إحسب بقي! فيستسلم الأول ويقول: اه والله الأيام جريت! قال يعني مكانش عارف المعلومة دي!! لكنه يواصل ليسأله عن شئ ما كان بينهما قديما كأنه تركه أمس فقط!! 


لكن ذات المشهد في أفلام زمان كان مختلفا جدا ويتم بشكل كلاسيكي في أغلبها.. حتي أن لقاء الأحبة والأصدقاء يتم بصورة كاريكاتورية.. حيث يقترب كل منهما من الآخر وكأنه يجر قدميه ويجب أن يسأل احدهما الآخر: إنت مش عارفني؟ فيرد الثاني الصوت ده مش غربب عليا.. حاسس إني سمعته قبل كدة!! وكل ده في الآخر نعرف إنهما افترقا منذ خمس سنوات مثلا أو عشرة أو خمسة عشر عاما علي الآكثر! أما لو في المشهد الفنان حسين رياض فسيحتاج إلي لمس الوجه وتحسس الملامح ليتأكد بنفسه وأيضا ستنتهي إلي عبارة “متقابلناش من عشر سنيين”!
 

ولذلك لو أعيد تصوير فيلم أمير الانتقام بمعايير اليوم سيتم اكتشاف حسن الهلالي من أول لحظة.. لن يحتاج بدران ليهرش في رأسه كل حين حتي يتذكره ولن يحتاج جعفر أو متولي مثلا لمثل ذلك ونتصور أنهم سيقولون له من أول لحظة "أهلا يا حسن يا هلالي.. إتفضل أقعد.. إنت جيت إمتي أومال؟!"

 

 
وهكذا صار كل شيء في حياتنا نسبيا.. حتي النكتة التي أضحكت الناس قديما إلي حد البكاء -ولهذا حديث آخر لاحقا- صار بعضها اليوم أقرب لقصص الرعب.. ولكن تبقي النتيجة الأساسية المهمة: أنه لم تتغير القيم.. ولن تتغير! 

الجريدة الرسمية