رئيس التحرير
عصام كامل

الخصخصة الرشيدة

دائما ما ترتبط الصورة الذهنية للخصخصة بإهدار أصول الدولة ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، لأن الخصخصة صممت أساسا كأحد مسارات تقليل عجز الموازنة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، طالما سارت الأمور حسب القواعد والأصول المحاسبية، كالتقييم العادل وقياس الأثر الاجتماعي والاقتصادي والبيئي علي الاقتصاد الكلي، وبالتوازي علي الاقتصاد الجزئي، كما طرحها كمال الجنزوري رئيس الوزراء السابق وكان المخطط لها أن تسير بشفافية وحوكمة رشيدة.. 

 

وعند الحديث عن الخصخصة وما لها وما عليها فمن الجدير بالذكر أن نعرف أن معدل البطالة هو مستهدف رئيسي للتنمية وسياساتها قبل النظر لملكية القطاع العام، حيث إن القطاع الخاص أكثر امتصاصا للبطالة في ظل إحداثيات العولمة الاقتصادية وهجرة الاستثمارات.


إن الاتجاه نحو توطين الاستثمار الأجنبي المباشر وتقليل الاعتماد علي الأموال الساخنة يجعل المستثمر شريكا رئيسيا في التنمية وأهدافها، ويقلل من الاعتماد علي الاقتراض كمصدر لتمويل الموازنة بما يقلل الأعباء علي الأجيال القادمة ويجذب الخبرات الفنية والعلمية الإبداعية، التي يجب أن نعترف باحتياجنا لها محليا بسبب إهمال قضية التنمية لعقود، فتسببت بتأخر الخبرات المصرية في قطاعات عديدة أهمها الصناعة بما إنعكس بشكل مباشر علي التصدير وميزان الصادرات والواردات.


تطل قضايا مستحدثة علي الاقتصاد المصري تضعها الدولة كأهداف ولكن هناك تحديات في استيعابها من خلال مقومات السوق المحلي (الاقتصاد العام والخاص)، مثل التحول نحو الاقتصاد الأخضر واقتصاد المعرفة لذا يلزم التواصل مع  الخبرات الاجنبية لتطوير الاقتصاد المحلي، مع دراسة نوعية الاستثمار الذي يحقق نمو كفاءة الرأسمال البشري الوطني بالتوازي مع المكاسب الاقتصادية.

جذب الاستثمار 


هناك اختلاف جذري في مفهوم التنمية والربح ويتضح بين تنمية الاقتصاد الكلي والجزئي ومستهدفات كلا منهم، وهو أمر يجب أن يدركه المواطن عند حديثه عن قضايا التنمية الوطنية ومحاورها الاستراتيجية على المدى الطويل والقصير، ورغم إنهم قد يسيران بالتوازي ولكن في بعض الأحيان يحدث تقاطعات يلزم تحقيق توازنهم بحكمة.


رغم أن الحزب الشيوعي ما زال يحكم الصين ولكن تجربة التنمية الوطنية لم تتحقق إلا من خلال سياسات رشيدة نحو الخصخصة، والشراكة مع الاستثمار الأجنبي في تأهيل أصول الدولة وتحويلها إلي قطاعات ذات ربحية عالية، ولعل أهم المكتسبات هي الإدارة المرنة التي يمتلكها القطاع الخاص الأجنبي الذي انتقلت خبراته إلى القطاع الخاص المحلي، الذي أصبح قائد التنمية الاقتصادية للصين إدراكا لأفول عصر الشيوعية منذ الثمانينيات في القرن الماضي في تجربة تنموية تستحق الإشادة والاحترام.


إن الخصخصة في الماضي اعتمدت علي بيع شركات خاسرة ذات مشاكل ادارية وأصول لم تدار بالشكل الجيد وتقييم غير منصف، أما اليوم فإعادة التأهيل وإدارة رشيدة وتحقيق الارباح يسبق طرح الشركات بناء علي شفافية وحوكمة رشيدة ليتولى القطاع الخاص الاجنبي والمحلي قيادة الاقتصاد المصري، وهو أحد الدروس المستفادة من التجربة الصينية ويجب ألا نغفل دور الأطروحات الحكومية في تحقيق نمو في البورصة المصرية التي أصبحت تعاني من ضعف التداولات.


في ظل جذب الاستثمار الأجنبي تظهر فرص لا متناهية للاستثمار المحلي العام والخاص وتطوير كفاءته نحو استيعاب متغيرات الأسواق العالمية في ظل العولمة الاقتصادية، التي تخلف عنها الاقتصاد المصري لعقود بما سبب تراجع معدلات التصدير، ويجب أن يعي المجتمع المصري هذه المسببات ونتائجها وأن يتجاوب ويتقبل فكرة جذب الاستثمار الأجنبي وتوطينه، حيث إن الثلاث سنوات القادمة ستشهد أكبر موجة هجرة للاستثمارات الدولية من الشرق الأقصي لأسباب سياسية في المقام الأول لتمثل فرصة يجب أن تتضافر فيها جهود القطاع العام والخاص لاجتذاب هذه الاستثمارات الكثيفة في ظل فرصة تاريخية فريدة تتكامل مع استقرار الدولة المصرية ودورها الفاعل في محيط السياسة الدولية وتطور تصنيف الجيش المصري عالميا كقوة إقليمية مؤثرة.

 


إن الاستثمار الأجنبي لا بديل عنه لتحقيق التنمية المستهدفة ولا يخل بالاستقلال الوطني وإن كان المدخل هو الخصخصة، ونتذكر مقولة التنمية حرية لأمارتيا صن الاقتصادي الهندي الحاصل علي جائزة نوبل في الاقتصاد ليؤكد أن قضية التنمية  تمثل القضية الرئيسة لحرية الوطن والمواطن في ظل إحداثيات العولمة وأبعادها.

الجريدة الرسمية