رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا فنلندا والسويد؟

كما اعتبرت روسيا طلب أوكرانيا إلى حلف الناتو، ومماطلة الغرب، بتحريض أمريكي في توفير ضمانات أمنية استراتيجية لموسكو، سببا جوهريا لقيامها بما أسمته عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا، في الرابع والعشرين من فبراير الماضى، تتكرر القصة الدامية نفسها حاليا، مع إعلان دولتى فنلندا والسويد عن رغبة شعبيهما الجارفة للانضمام إلى معاهدة حلف شمال الأطلسي، خوفا من عواقب الغزو الروسي لأوكرانيا. 

 

خلال أيام سوف يبت الناتو بأعضائه الثلاثين في طلب ضم الدولتين، إلى عضويته، وبذلك تحظى الدولتان بحماية أقوى مظلة عسكرية جماعية غربية في العالم. المعروف أن كلا من فنلندا والسويد ليستا دولتين محايدتين رسميا كما هو الحال مع سويسرا، لكنهما احتفظا بوضعية عدم الانحياز، وبعلاقات طيبة مع الاتحاد الروسي. 


يكرر الغرب نفس نموذج الاستهواء الذي جربه بنجاح في جرجرة روسيا إلى فخ الاستنزاف في أوكرانيا، فإعلان الغرب عن استيفاء الدولتين لمعايير القبول من ناحية الممارسة الديمقراطية، والنجاح الاقتصادي، وتخصيص ٢٪؜ من اجمالى الناتج القومى للدفاع بالحلف، جعل استفزاز روسيا يمضى بعيدا إلى حد التهديد بإجراء عسكرى، بل وتهديد وجود الإتحاد الاوربي ذاته!


لماذا تشعر موسكو بخطر وجودى من إنضمام فنلندا بالذات؟ والوجه الأخر للسؤال: لماذا يتعجل الغرب ضم فنلندا إلى مظلته العسكرية؟


حدود روسيا

 

هنالك سبب جوهرى هو ذاته الدافع للخوف لدى موسكو والدافع للضم لدي الغرب.. الحدود المشتركة بين روسيا وفنلندا تزيد علي ١٤٠٠كيلومتر، ومن بعدها حدود فنلندا مع السويد، أي أن روسيا ستكون معرضة للقهر بوجود الناتو في هاتين الدولتين، فضلا عن أن النرويج والدنمارك..  وأيسلندا، دولة سقف العالم، أعضاء في الناتو، وهذا التمدد الواسع من شأنه أن يعيد رسم الخريطة الأمنية كاملة في أوروبا، ويدفع بالاتحاد الروسي إلى حائط نووى حتمى!


تبدو روسيا إذن محاصرة بدول كانت من جواهر الاتحاد السوفيتي الذي فككه النشطاء تحت شعارات حقوق الانسان والانفتاح والشفافية، بريسترويكا وجلاسنوست.. وتسارع دول البلطيق الثلاث، وهي استونيا ولاتفيا وليتوانيا بجهود محمومة، لمناهضة العملية العسكرية والتقرب الى الغرب. وفيما يمكن القول أنه إذا أعلن الغرب ضم فنلندا والسويد إلى الناتو، فسوف يعني ذلك بدء المرحلة الثالثة في العملية العسكرية الروسية وسيكون إسمها الحقيقي الحرب. 

 

المرحلة الاولى كانت اسقاط العاصمة كييف ودعوة الجيش الأوكراني لتولي السلطة، ومع فشل الحصار الروسي لكييف تراجعت العمليات الى المرحلة الثانية وهي التركيز علي إقليم دونباس واسقاط ماريوبول وخيرسون..  

 

 

وهكذا فان فنلندا إذا انضمت فسيكون على روسيا بدء المرحلة الثالثة وأن تواجه وعدها بالانتقام.. لكن المعضلة الكبرى هي إتساع الحدود وبعد المسافات، مما يشكل إرهاقا لوجيستيا للقوات الروسية، وربما تنشر روسيا صواريخ نووية وأسلحة فرط صوتية علي الحدود مع فنلندا، أي مع الناتو!
إن العالم كله يتوجع من حرب الغرب والروس في أوكرانيا ويصرخ الفقراء والأغنياء من نزيف الموارد، ولو إتسع النطاق، بنباح الغرب المستمر علي أبواب روسيا، فمن المرعب أن نرى، أو لا نلحق أن نرى، نشوب الحرب النووية: لا قاتل ولا مقتول، بل فناء كامل للجميع..  
ونتابع مشاهد الرعب الوشيك.

الجريدة الرسمية