رئيس التحرير
عصام كامل

ضرب الزوجات.. بالسلاح الأبيض!

أفتى الأزهرُ الشريفُ بعدم جوازِ استخدامِ العنف ضدَّ الزوجة، وقال إنه لم يثبت عن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، ضرب أحدًا.. وأكدت دارُ الإفتاء أن "الرجالَ لا يضربون النساءَ".. وتشدد المجلسُ القومي للمرأة في هذه القضيةِ الخطيرة.. وأعلنَ البرلمانُ، بغرفتيه، رأيَه القاطع في المسألة، حتى أن إحدى النائبات تقدمت بمشروع قانون لمعاقبة الرجل الذي يقدم على ضرب زوجته بالسجن لسنوات.

 

كل تلك التطوراتِ الإيجابية حدثت، ولم يتوقفْ العنف ضد النساء، سيما في الصعيد، حيث اكتشفنا، من خلال واقعةِ سحلِ عريس الإسماعيلية لزوجته أثناء الاحتفالِ بزفافهما، قبل أيام، أن ضربَ الزوجات، والأخوات، والبنات، في الجنوبِ، عادةٌ غير مستغربة، وأمرٌ عاديٌ!

 

الضربُ على سبيلِ التسلية

 

أما من يتصدى لمناقشةِ المشاكل اليومية التي تنشبُ بين الأسرِ في مصر، شرقها وغربها، وشمالها وجنوبها، فبالتأكيد يعلمُ، علمَ اليقين، أن ضرب الزوجات، والبنات، لا يقتصر على كونه عقوبةً معتادةً على الأخطاء، أو "الخوف من النشوز"، مثلما يفتي المفتون، بل إنه يُستخدمُ لأتفه الأسباب، وأحيانًا على سبيلِ التسلية.

 

وكثيرًا ما يحدث أن يلجأ الطرفُ الأقوى، وهو غالبًا الرجل، إلى استخدام أقدامِه لضربِ زوجته بـ "الشلوت"، وإذا استخدم يديْه فهو يُكوِّر أصابعَه ليسدد لكماتٍ، ليكون الانتقامُ والعقابُ أشدَّ وأنكى، وكأنه يتعاركُ مع خصمٍ لدودٍ، أو عدو مستهدف قتله!

 

الضربُ بالسلاح الأبيض

 

في بعض الأحايين، يستخدم الرجالُ سلاحًا أبيض "مطواة، أو سكينًا، أو خنجرًا"، أو سلاحًا ناريًّا "مسدسًا، أو بندقية، أو فردًا محليَّ الصُّنع"، وفي تلك الحالات فغالبًا ما تلقى الزوجةُ حتفها، ولربما لجأ الزوجُ إلى إلقائها من الشرفةِ، أو الشباكِ، وبعضهم يقوم بإحراقها!

 

هذا العنفُ المفرطُ باتَ ضمن المشاهد اليومية للأسرِ والعائلاتِ المصرية، ولم يعدْ استثناءً، ولا حالاتٍ فرديةً، وليست له علاقة بالمستوى الاجتماعي، أو الثقافي، أو المادي، فما السبب الحقيقيُّ؟! الأسبابُ، فيما أعتقد، تتلخصُ في سوء التربية في الأسرة، والمدرسة، وخراب الأوضاع في الشارع، والنماذج البشعة التي تقدمها الدراما المصرية، بل والهندية، والتركية، التي تغرم بها بناتنا.

 

إمامٌ مدمن

 

استمعتُ، مؤخرًا، إلى مأساةٍ تعيشها شابةٌ، أجبرها أهلوها على الزواجِ من شابٍّ خريج جامعة الأزهر، ويعمل إمامًا لمسجد، فإذا بها تكتشف أنه مدمنٌ على الأفلام الإباحية، وجاهلٌ في أمور العلاقة الحميمة، ومفتقدٌ للثقةِ في نفسه، فلا يستطيع اتخاذ أبسط القرارات، والعجيب أنه يحلُّ مشكلاته بضرب زوجته!! الخطأ هنا ليس على الجامعة، والأزمة ليست في المهنة، لكن الواضح أن الأسرةَ لم تحسنْ تربية ابنها.

 

وأكثر من مشكلةٍ عايشتُها، يُفاجأ فيها الأهلُ أنهم ألقوا بابنتهم في أتونِ حياة مستعرة بسبب إدمانِ الزوج على المخدرات، أو أنهم انخدعوا ووافقوا على اقتران ابنتهم بشخصٍ يحترفُ النصب!

 

عادة يومية

 

وفي كل تلك الحالات يكون الضربُ عادةً يومية، يستخدمها الزوج لإجبار زوجته على مسايرته في عاداتِه الشاذة، وغير السوية، وغير المشروعة.. وراجعوا حوادث "تبادل الزوجات". ما أقوله؛ إن الجميعَ رافضٌ للعنف، ومستنكرٌ للضرب، ومع ذلك فلا يزال العنف ديدنُ الرجال في التعامل مع زوجاتهم.

 

مهمة الهيئات الدينية، وعلى رأسها الأزهرُ الشريف والكنيسةُ، لا تتوقف عند إبداء الرأي، وإطلاقِ الفتوى، وتقديمِ النصح، بل يجبُ أن تتدخلَ لوقف تلك الظاهرةِ التي لا يقرُّها شرعٌ، ولا دينٌ، ولا قانونٌ، ولا عُرفٌ.

 

سيحاسبنا الله على تفسيرنا للآية الكريمة: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا. [النساء: 34]، بأنه الضرب على إطلاقه، وترك الحبل على غاربه للجهَّال يفسرون الآية على حسب أهوائهم، ورغباتهم الشاذة.

 

 

أما حكايةُ الضرب بالسواك، والمنديل الملفوف، ونحوِه، فيقولون إنها مجرد آثارٍ، ولم يثبت فيها أحاديثٌ نبوية، وهذا هو الأقرب إلى المنطق، فمن هو الملاكُ الطاهرُ الذي سيملك نفسَه حالَ الغضب، ويتمهل إلى حين "لف المنديل" أو إحضارِ السواك؟! 

مطلوب، فورًا، تفسير "النشوز"، والتوصل إلى حلول حاسمة لمنع الضرب تمامًا.

أنقذوا الأسرة المصرية من الضياع. أما مسألة ضرب الأزواج من زوجاتهن فهو ليس موضوعَنا الآن.

الجريدة الرسمية