رئيس التحرير
عصام كامل

كبرياء روسيا

لن ينسى التاريخ أبدا هذا المشهد بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، بعد انتهاء المؤتمر الصحفي بينهما بخصوص الأزمة الأوكرانية، أول أمس: فقد غادر بوتين مكانة خلف الميكرفون متجها لمغادرة القاعة تاركا ضيفه، ولوح له أن حصلنى!.. ويعتبر ما فعله بوتين خرقا للبروتوكولات والمراسم الرئاسية المعمول بها في جميع أنحاء العالم، عند إستقبال وتوديع ومعاملة الضيف الرئيس أو الملك..

وبعيدا حتى عن المناصب فإن ضيفك هو موضع حفاوتك بالطبع فهل كان ماكرون ضيفا علي بوتين بصفة وسيط لحل الأزمة مع أوكرانيا وأمريكا؟ ماكرون بالفعل كان ضيفا، لكنه كان ضالعا، ولا يزال في حزمة العقوبات الاقتصادية والمالية التى يتوعد بها الغرب روسيا إن قامت القوات الروسية بغزو أوكرانيا وهى عقوبات من شأنها إلحاق أكبر الأضرار بالاقتصاد الروسى.

رد الاعتبار

ولقد سبق مشهد إغفال الضيف، وتركه يغادر القاعة وحيدا، وليس بصحبة مضيفه كالعادة، مشهد قرأه العالم كله القراءة الصحيحة، فقد إختار بوتين طاولة طويلة جدا بشكل ملفت، وجلس علي رأسها فى ناحية وضيفه الفرنسى على رأسها الناحية الأخرى. رسالة واضحة الدلالة على طول المسافة الفاصلة ليس فقط بين الضيف كشخص وكمسئول فرنسى، بل بوصفه يمثل الدولة الأبرز في الإتحاد الأوربي، ومن ثم تعتبر الطاولة الطويلة هذه رسالة لكل الأوروبيين.

لماذا يفعل بوتين هذا؟

بوتين يسترد اعتبار الإتحاد السوفيتي الذي مزقه الغرب وسرق علماءه.. وباع نساءه في أسواق الرقيق الأبيض. بوتين لم ينس إهانة بلاده في اجتماعات السبع الكبار نهاية القرن العشرين. بوتين لا يغيب عنه هدف الغرب حاليا، وهو تفكيك الاتحاد الروسي ذاته.

روسيا هى درة الإتحاد السوفيتي الراحل قتلا، عمدا، وتفكيكا، بالسم الثنائي الذي يجيد الغرب إنتاجه وتسويقه: حقوق الإنسان، الديمقراطية. هذا السم إبتلعه ميخائيل جورباتشوف وتباهى بسياسات الشفافية والانفتاح فيما سمى وقتها البروسترويكا والجلاسنوست. النموذج الغربي في الإعلام عادة هو النفخ في المسئول حتى يثق في صحة دعواه المدفوع إليها. وهكذا مضى جورباتشوف يفكك إمبراطوريته قومية بعد الأخرى، وانحسر الاتحاد السوفيتي عن الاتحاد الروسي.. 

وتفرقت بقية الجمهوريات.. تحت الاستمالات والغوايات الغربية. أخطرها بالقطع جمهورية أوكرانيا. وبسبب رغبتها في الانضمام إلى حلف الناتو، تندلع حاليا الأزمة العالمية بين الشرق والغرب. وفيما تتسابق الدبابات والدبلوماسية فى خطين متوازيين، فإن روسيا جهزت ٧٠% من قواتها وعتادها للخيار الذي ستضطر إليه ما لم يرحل الناتو عن حدودها.

 

تعيش القارة الأوروبية شيئا مما اعتادت منطقتنا العيش فيه بسببهم: شيء من الخوف والقلق والتوتر وحشد الحشود.. ومع أن كل الأطراف تميل إلى تفادى الإشتعال، لأنه لن يكون هناك منتصر، فإن مشهدى الطاولة المستطيلة، والمؤتمر الصحفي، وإهمال بوتين ل ماكرون، سيبقيان بارزين في ذاكرة التاريخ.

الجريدة الرسمية