رئيس التحرير
عصام كامل

حالة اللا تفاوض  في السد الإثيوبي

السؤال المحير في حالة اللا تفاوض بشأن السد الإثيوبي تثير القلق خاصة أن الوقت ليس في صالحنا وتفرض تلك الحالة وضع اليد الواقع وهو ماخططت له إثيوبيا وحلفاؤها منذ البداية والسؤال الأخطر مع من تتفاوض مصر في ظل الأوضاع المضطربة في السودان والحرب الأهلية في إثيوبيا وانسحاب كل الوسطاء من المشهد.

 

كما قام كل من رئيس الاتحاد الأفريقي فيليكس انطوان تشيسيكيدي والمبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان  بجولة في كل من مصر والسودان وإثيوبيا، لكن لا شيء تحرك. وفى ظل عدم اهتمام الدول العظمى بهذه القضية حاليا في ظل عدم استقرار الإقليم كله، بالإضافة إلى تدخل عدد من الدول الشقيقة لحماية استثماراتها ولو على حساب مصالحنا!! 

 

والسؤال الآخر هو ما الجديد الذى يجب طرحه في هذه المفاوضات وبما يتناسب مع هذه الأوضاع وفيما يبدو أن خروج آبى أحمد منتصرا من حربه مع متمردي إقليم تيجراي سوف تزيد من صلفه وغروره وتعسفه وهذا سوف يزيد  من تعقيدات التفاوض معه وفي علم السياسة ما يعرف بالفرص الضائعة وفن اللحظة وهو ما فعلته إثيوبيا إزاء حالة الفوضي المصرية بعد يناير٢٠١١ مستغلة الأوضاع المصرية المضطربة وسارعت بتحويل مجري النهر..

 

 ولآن مصر دولة كبيرة وراشدة وتؤمن بحقوقها لم تستغل الأوضاع المتوترة في إثيوبيا وتستولي علي منطقة السد وتوقف هذا العبث بكل القوانين والاتفاقات الاقليمية والدولية الخاصة بالأنهار الدولية والأمر المؤكد  أن مصر يجب ألا تسمح بأي حال من الأحوال بتعلية القطاع الأوسط من السد والذي سوف يؤدي تنفيذه إلي الملء الثالث بكمية تصل إلي ١٣ مليار متر مكعب  بإرادة إثيوبية منفردة..

 

حقوق مصر المائية 

 

لآن هذا لو تم فلن يكون أمامنا سوي الرضوخ للتعنت الإثيوبي وهو ما لن تقبله مصر جيشا وشعبا وحكومة وقيادة ومن الضرورة توقيع إتفاق مع إثيوبيا قبيل الملء الثالث لأنه لو تم الملء دون إتفاق سوف تتأثر واردات مصر بنسبة أكبر من 27% من إيرادات النيل الأزرق، وهو ما لم تسمح به مصر، كما أن مصر أيضا لن تقبل على أي تصرف أحادي وغير قانوني فيما يتعلق بملء سد النهضة. وفي حالة عدم إمتثال إثيوبيا لتوقيع إتفاق قبيل المضي في الملء فإن مصر لديها إجراءات سوف تتخذها.

 

 كما أن إعلان المبادئ، الموقع في مارس 2015، هو بمثابة خارطة طريق فنية وقانونية، في التوافق على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، وهو إتفاق إطاري لا بد أن يستتبعه، إتفاق تفصيلي، وهو الذي كان من المفترض أن يكون متمثلا في وثيقة واشنطن التي صاغها البنك الدولي والخزانة الأمريكية ثم أن ما تزعمه وتروج له إثيوبيا، من أن ما تفعله هو من أمور السيادة المطلقة على منابع الهضبة الإثيوبية، فهي مزاعم واهية، ولا يوجد سند وحيد يؤيدها في القانون الدولي..

 

لأنه من الثابت أن اتفاقية الأمم المتحدة للأنهار الدولية لعام 1997 وما خلص إليه الفقه الدولي وأحكام القضاء الدولي، هو أن النهر الدولي ملكية مشتركة لدوله -المتشاطئة عليه- ولا يجوز لأي منها التذرع بمبدأ السيادة الإقليمية، وأن هذه الدول عليها التزامات مباشرة تتمثل في حماية هذا المورد المشترك، الذي هو هبة من الخالق عز وجل، وأن الدول ملتزمة بتنمية موارده المائية، وصولا للاستخدام المنصف والمعقول، وبالتالي فإن الدفع الإثيوبي، بأنها تملك حقوقا سيادية يخالف قواعد القانون الدولي.

 

ومن أبرز الاتفاقيات التي تحفظ حقوق مصر المائية، بروتوكول روما 1891 والذي وقعت عليه بريطانيا ممثلة لمصر والسودان وروما ممثلة لإثيوبيا، وتعهدت إثيوبيا بعدم إقامة أي مشروعات على نهر عطبرة، من شأنها عرقلة وصول المياه إلى مصر والسودان.

 

 كما أن هناك اتفاقية 1902، والتي وقعها منيليك الثاني ملك ملوك إثيوبيا، نصت في المادة الثالثة منها، على عدم إقامة مشروعات على النيل الأزرق أو نهر السوباط أو بحيرة تانا من شأنها منع وصول المياه، فضلا عن إلزامها بإخطار السودان -المصري وقتها- بإقامة أي مشروعات. وهذه الاتفاقية -1902- لها حجة قانوينة دولية، نظرا لكونها خاصة بترسيم الحدود، والحدود في القانون الدولي لها مكانة خاصة، تحفظها اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية 1978، التي تؤكد أن الحدود تتوارثها الدول بحالتها، وذلك لمنع النازعات، وقد صدقت  إثيوبيا عليها..

 

 

كما أن اتفاقية 1902 لها "شق أخر" مرتبط بحدود عينية، تتعلق باستخدامات الأنهار الدولية، فضلا عن حكم محكمة العدل الدولية في 1997 بين المجر وسلوفاكيا، حول نهر الدانوب في قضية مشابهة لقضية سد النهضة. كما أن هناك أيضا اتفاقا إطاريا للتعاون تم توقيعه عام 1993 بين الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، ورئيس الوزراء الإثيوبي ميلس زيناوي، تمت صياغته وفق قواعد القانون الدولي، وتعهدت الدولتين من خلالها على تحقيق مبدأ التعاون المشترك، وكذلك مبدا عدم الإضرار، وسجلته مصر في الأمم المتحدة، إلا أن إثيوبيا لم تصدق عليه، ورغم ذلك؛ فإن قانون المعاهدات لعام 1969 خلص إلى أن الدول التي توقع على معاهدات دولية ولم تصدق عليها، فإنها ملتزمة بعدم مخالفة ما وقعت عليه من التزامات، إعمالا لمبدأ حُسن النية.

الجريدة الرسمية