رئيس التحرير
عصام كامل

لا شراكة ولا وحدة

مثل غيرى تابعت أنباء عن التعاون الإماراتى التركى، عبر اتفاقية بين الطرفين لخلق شريان نقل بضائع تحت ما يسمى طريق الشارقة- مرسين، كطريق شحن جديد يختصر المدة الزمنية اللازمة للشحن عبر قناة السويس، لمواجهة أزمة زيادة تكاليف النقل البحرى بشكل كبير خلال الفترة الماضية. 

وحسب مصادر الأنباء فإن طريق الشارقة- مرسين الذي يستخدم قناة السويس يستغرق ٢٠ يوما، في حين أن المسار الجديد المتفق عليه بين تركيا والإمارات سيستغرق من ١٠ إلى ١٢ يوما فقط.

 

مثل هذه الأنباء في عرف العامة تعد حربا عربية- تركية ضد شريان النقل البحرى العالمي قناة السويس، ومحاولة من أشقاء لخلق طريق جديد، من شأنه القضاء على أهمية الممر الملاحى المصرى الذي خدم العالم طوال تاريخ ممتد. ولا تفسير في عرف العامة لهذا التصرف الإماراتى التركى إلا أنه ضرب للمصالح المصرية واقتصادها في العمق، وقد يفرض ذلك على صانع القرار اتخاذ مواقف في مواجهة التحرك الإماراتي التركي.

 

قديما كان مثل هذا الخبر كفيلا بأن يتسبب في قطيعة، وقد يمتد مفعوله إلى حروب إعلامية بين الإمارات ومصر، وقديما كانت العاطفة في العلاقات العربية العربية هي المنطق الوحيد. وعلى طريق العاطفة في إدارة شئون العلاقات البينية خسرنا الكثير من تاريخنا ومن قدراتنا، إذ أن كل طرف لم يكن يرى إلا نفسه ومصالحه دون النظر إلى مصالح الغير.

 

البحث عن المصالح

 

لايزال الكتمان هو الحاكم في تفاصيل العلاقات العربية العربية، ولايزال الناس في بلادي لا يجدون تفسيرا لتمويل دول عربية بناء سد النهضة الإثيوبي، وهو أمر لا علاقة له بالعاطفة، فالقضية وجودية بالدرجة الأولى.. اختصرها الرئيس السيسي عندما تداولت وسائل التواصل الاجتماعى أنباء تعاون بينى في المحيط الإقليمي، ينبئ بتحركات ضد مصالح مصر، عندما قال الرئيس: من حق الدول أن تبحث عن مصالحها، ومن حقنا أيضا أن نفعل ذلك.

 

القضية إذن ستدور في فلك مصنع الأفكار، وقدرة كل دولة علي طرح أفكار جاذبة ومهمة، تفرض على الآخر أن يحترم ذلك حتى لو كان ضد مصالحه. الخيط الفاصل بين مصالحنا ومصالحهم أيا كانوا من "هم"، لن يكون مستساغا للرأي العام الذي فطم عن فكرة العروبة والقومية، وما إلي ذلك من مصطلحات لم يعد لها وجود فعلى على الأرض.

 

يقولون إن المصالح تتصالح، غير أن التضاد إلى حد الوجود لا يمكن أن يتصالح، ولا يمكن أن تتقبله الشعوب، خصوصا تلك الشعوب التي دفعت من دم أبنائها، ومن قوتها الكثير دفاعا عن الأمة. ولكن أين هي الأمة وسط عالم من الأنانية المفرطة التي ترسم ملامح للعلاقات العربية-العربية، دون النظر مليا فيما هو أبعد من النظر تحت أقدام الحاضر الملبد بالغيوم.

 

لم يعد هناك ما يسمى بالعلاقات الاستراتيجية التى تضع في حسبانها وازعا أخلاقيا وتعهدات قيمية، ووحدة الهدف والعرق والدين واللغة واللون، وما إلى ذلك من شعارات كنا ولانزال نحفظها دون وعي بما يجرى الآن من لهث ودوران حول الذات.

 

الذين عاشوا وعايشوا مراحل النضال من أجل التحرر عاشوا نماذج إنسانية لم يعد لها وجود، عرفوا نكروما وكاسترو وجيفارا، عندما كان للقيم مفاهيم عالمية من أجل التحرر والاستقلال. أفضت مراحل الخروج من شرنقة الاستعمار إلى مشروعات وطنية حادت عن الطريق، وخلقت محتلا جديدا، سلم مقاليد بلاده إلي نفس الاستعمار القديم، فرضت عليه الخارطة الجديدة أن يتعايش مع استقلال وهمى أدى في النهاية إلى فقدان السيادة بكل تفاصيلها.

 

 

انظر حولك لن تجد مفهوما واضحا للسيادة ولا للاستقلال، فكل طرف يفرط فيما يمكنه أن يفرط فيه مقابل بقاء على مقعد أو وهما، تحت شعار حماية مكتسبات وطنية غير قائمة أصلا.. لاشك أن العالم يتغير، وأن مفاهيم التعاون تتغير، ومعنى الاستقلال أصبح مبهما وغامضا وغير واضح وفي إطار ذلك تنشأ علاقات بين المتحاربين بين لحظة وأخرى، لدرجة يصعب معها متابعة ألغاز الاتفاق والاختلاف بين الدول.

الجريدة الرسمية