رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

يوم البيض العالمي!

احتفل العالم في ثاني جمعة من شهر أكتوبر الجاري بيوم البيض العالمي، واحتفلت أنا أيضًا به مجبرًا ذات ليلة عجيبة وعلى طريقتي الخاصة، بسبب جائحة كورونا! رغم أننا نأكل لنعيش، لا نعيش لنأكل، إلا أن الأكل ظل من الأمور التي قد تتحكم في مصير علاقاتنا الإنسانية عامة والأسرية على وجه الخصوص، حتى أن السؤال الذي ظل عالقًا ومتكررًا عبر السنين: ماذا نأكل اليوم؟  أما الإجابة الساحرة التي عجز علماء نفس البشرية عن تفسيرها فكانت غالبًا: أي حاجة! 

 

 

الحقيقة أن أكلة "الأي حاجة"، لطالما خربت بيوت وشردت أسر وهدمت علاقات؛ فإذا جاءت مكررة في الصحون نفسها، نشبت معارك، ولو جاءت "الأي حاجة" ناقصة حاجة، رشة ملح أو بعض التوابل مثلًا؛ أو قدمتها ربة البيت دون التسخين الكافي، أو قدمتها ساخنة بينما أنت غارق على شاشة جوالك، تنجز بعض الأعمال أو تلهو مع الآخرين دون أدنى اهتمام بموعد الطعام واحترام طقوس أكل "الأي حاجة"، فسيترتب على ذلك تلاسن ربما يتطور إلى اشتباك، ينتهي بسدة نفس وأجواء حزينة وعواقب وخيمة! 

 

أكلة الأى حاجة

 

سرحت بخيالي بعيدًا وقلت في نفسي إن الشهرة العالمية التي اكتسبتها أكلة "الأي حاجة"، ربما تعجل بتسجيلها ضمن التراث العالمي اللامادي للشعوب! قطع شرود ذهني الأنباء الجديدة المتداولة حول جائحة كورونا التي فرضت واقعًا جديدًا في أعمالنا وحياتنا نتعامل معها لأول مرة، وقد أودت بحياة الملايين إضافة إلى عشرات الملايين من المصابين والمتعافين، وما زالت معركة مواجهة الجائحة قائمة رغم تزايد أعداد الحاصلين على لقاحات الأمل.

 

وحين ألزمت جائحة كورونا البشرية جمعاء والرجال تحديدًا البقاء لساعات أطول بالبيوت، خاصة في فترات الحجر لاعتبارات السلامة، فبدأنا نتعرف على ملامح وتفاصيل بيوتنا ونشم رائحتها هي ومن بها، في الوقت الذي كان معظم البشر قد فقدوا حاسة الشم، فيما فقد آخرون حياتهم بالكامل! عن نفسي لا أجيد الطهي، ولا يشكل الطعام أولوية في حياتي، كانت حرارة زوجتي قد ارتفعت يومًا للسماء في وقت الحظر الكلي؛ فعزلتها توخيًا للسلامة، وعزلت الأبناء، وكانت ثلاجة البيت عامرة بكل حاجة.

 

سألت أبنائي ماذا تأكلون اليوم، ورغم انتمائهم لمدرسة أكل المطاعم، الا أنهم ردوا وفي نفس واحد: (أي حاجة). كثيرًا ما أعدت لنا زوجتي أكلة الأي حاجة، وكثيرًا ما شكوت من سوء إعدادها، لذا اعتبرت اليوم فرصتي الذهبية لتعليمها أصول الطهي!

بيض عيون

 

دخلت المطبخ وشمرت عن ساعدي وفتحت ثلاجتي مرة واتنين وعشرة، الثلاجة عامرة بكل شيء، ألمح نصف ليمونة هاربة تعود لشهور مضت من الحقبة الكورونية الأولى، بحثت طويلًا ورغم وجود كل حاجة، إلا أنني فشلت في العثور على مكونات أكلة الأي حاجة التي طالما أكلناها على مضض؛ وأسقط في يدي بعد أن كنت قد أخرجت بحماس معظم أدوات المطبخ؛ الصحون والأواني وأجهزة الطحن والعصر والبهارات من كل صنف ولون، والزيت والسمن وزجاجات الكاتشاب والفلفل الحار، وبعد ساعتين خرجت على أبنائي بصحن بيض عيون نصف محروق!

 

إلتهم الأبناء ما قدمت لهم، بعد أن أشبعته تصويرًا بجوالي، مشغول أنا بالإعلان عن أكلة اليوم، هل أرفع الصور على تويتر؟ يقولون إن الانستجرام أكثر ملاءمة للأكلات؟ لكن يبدو لي أن سناب شات هو الأنسب للبيض. 

 

جائحة كورونا التي تجاوزنا أسوأ وأخطر موجاتها، قربتنا من ذواتنا وأهلنا أكثر رغم التباعد، فزادت قناعتنا بأقل الأشياء وأبسطها، تشغلنا صحتنا وسلامتنا ونفسيتنا أولًا، وذات صباح خرجت علينا زوجتي بعد تعافيها؛ لتسألنا متهللة؛ ماذا ستأكلون على الغداء؟ وهل سنخرج اليوم؟

في نفس واحد رددنا: نأكل أي حاجة، ونطلع أي مكان، المهم نطلع، والأهم نرجع بالسلامة.

Drsamir33@yahoo.com

Advertisements
الجريدة الرسمية