رئيس التحرير
عصام كامل

في ذكرى محاولة اغتياله.. حكاية ناجي العلي الذي أقضت رسوماته مضاجع إسرائيل والعرب

ناجي العلي مع شخصية
ناجي العلي مع شخصية حنظلة
فى مثل هذا اليوم 22 يوليو 1987 أطلق مجهول رصاصة من مسدس كاتم للصوت على عبقري الكاريكاتير الفنان الرائع ناجي العلي، وهو فى طريقه إلى مكتب صحيفة القبس الكويتية بلندن فأصابته فى وجهه تحت عينه اليمنى.


ونقل على إثرها إلى المستشفى واستمر فيه أكثر من شهر فى العناية المركزة حتى رحل فى أغسطس عام 1987 عن عمر ناهز خمسين عامًا، ودفن بمقبرة بروك وود الإسلامية فى لندن لصعوبة نقله إلى فلسطين.

موظف فى الموساد 
وتوصلت التحقيقات البريطانية إلى هُويته ويدعى بشار سمارة، وهو على ما يبدو الاسم الحركى له، وكان منتسبًا إلى منظمة التحرير الفلسطينية، كما كان موظفًا لدى جهاز الموساد الإسرائيلى.

لوحات تنزف دما 
رسم الفنان ناجي العلي ببيروت فى مراحل متعددة وظروف مختلفة مثل الحرب الأهلية التى اندلعت فيها، والاعتداءات الإسرائيلية فى مراحل مختلفة عليها ووقوعها فريسة للفتنة الطائفية، فرسم لوحاته تنزف دمًا على بيروت التى أحبها طوال حياته، حيث كان يعتبر قضاياها امتدادًا للقضية الفلسطينية التى يناضل من أجلها.

خلافات فلسطينية 
كما جسدت رسوماته أوضاع وأشكال المخيمات والمعتقلين الفسطينيين والخلافات العربية والخلافات الفلسطينية والتنازلات المضمرة والمعلنة، كما جسد رسومات عن بيروت في أثناء الحرب الأهلية، وابتكر عدة رموز وشخصيات يحاكى بها واقع شعبه وكانت أبرزها "حنظلة - فاطمة".

40 ألف رسمة 
أبدع ناجي العلي ورسم نحو 40 ألف رسمة كاريكاتير وأبدع شخصيات كثيرة كلها تدور حول المجتمع والفقر والظلم حيث اعتبر الكاريكاتير كلمة الوصل والسر بينه وبين قرائه، ودخلت رسوماته ضمن أكثر الفن صدقًا وشفافيةً.

عام النكبة 
وُلد ناجي العلي عام 1936 فى قرية الشجرة بمدينة الجليل، نزح هو وعائلته فى عام 1948 وهو عام النكبة الفلسطينية إلى جنوب لبنان وعاش فى مخيم عين الحلوة، والتحق بمدارس الأونروا التابعة لاتحاد الكنائس، لكن لشدة فقر أسرته وظروفها القاسية لم يستطع إكمال تعليمه، وبدأ يعمل باليومية فى الغيطان فى قطف ثمار البرتقال ثم التحق بمدرسة راهبات لتعلم الميكانيكا، وافتتح بعدها ورشة لتصليح السيارات فى خيمة بمخيم شاتيلا.

ظهر اهتمامه بالرسم خلال اختلاطه بالفنانين المتواجدين معه فى المخيم ثم التحق بصفوف حركة القوميين العرب، وأصدر نشرة سياسية سماها الصرخة.

الرسم على الجدران 
وبسبب كتاباته ورسومه بالصرخة قبض عليه أكثر من مرة من جانب قوى الأمن اللبنانى، وكان ناجي يرسم على جدران السجون والثكنات العسكرية اللبنانية.

اشترك ناجي العلي فى فرقة المسرح الخاصة بحركة القوميين العرب، واتجه إلى رسم الكاريكاتير، وكانت أولى رسوماته التى وضعته فى مصاف فناني الكاريكاتير بالصحف العربية التى نشرها غسان كنفاني فى مجلتي الصرخة والحرية التابعتين لحركة القوميين العرب والرسم عبارة عن خيمة تعلوها يد تلوح بالرفض عام 1961.

رسومات الفقر والظلم 
انتقل إلى العمل بالكويت رسامًا فى مجلة الطليعة ثم السياسة الكويتية، وكانت أولى رسوماته فيها عبارة عن لص يدخل بلدية الكويت ويخرج منها صائحًا سرقونى، ثم انتقل للعمل فى مجلة القبس الدولية تناول العلي فى رسوماته الثورة الفيتنامية، وانتقد الدعم الأمريكي لإسرائيل وعلاقات إيران بتل أبيب فى عهد الشاه، ودعم المقاومة الفلسطينية ولازمته فى رسوماته شخصية حنظلة حتى آخر لحظة فى عمره. 

لم تعرف الجهة التى كانت وراء الاغتيال على وجه القطع، واختلفت الآراء حول ضلوع إسرائيل أو منظمة التحرير الفلسطينية أو المخابرات العراقية أو أنظمة عربية، ولا توجد دلائل ملموسة تؤكد تورط هذه الجهة أو تلك.

تضارب الآراء 
تعالت الأصوات التي تتهم منظمة التحرير الفلسطينية بالضلوع في الجريمة، وقال معلقون في الشرق الأوسط: إن مقتل ناجي العلي يأتي في إطار حملة تقوم بها منظمة التحرير الفلسطينية لتكميم أفواه منتقديها في أوروبا والشرق الأوسط، ولكن منظمة التحرير الفلسطينية نفت المسؤولية عن الاغتيال.

واعتقل طالب فلسطيني في مدينة "هال" أثناء التحقيق في القضية، وسجن لاحقًا بتهمة حيازة أسلحة ومتفجرات.

وادعى الطالب أثناء التحقيق أنه كان يعمل لصالح كل من منظمة التحرير الفلسطينية والاستخبارات الإسرائيلية "الموساد".

ووصف الرجل بأنه يمتلك مظهرًا شرق أوسطي، في الخمسينيات من عمره، متوسط الطول وكان شعره أسود وغزاه الشيب، ووجهه مائلًا للسمنة وأنفه كبير نسبيًا، مظهره أنيق ويرتدي بزة رمادية.

وقال القائد دين هييدن، رئيس قيادة مكافحة الإرهاب في الشرطة البريطانية: "شوهد المسلح يتبع ناجي العلي لمدة 40 ثانية قبل أن يطلق النار عليه، ورغم قصر مدة الهجوم تمكن الشهود من توصيف المشتبه به وصفًا جيدًا". 

إعادة التحقيق 
وبعد مرور ثلاثين عامًا على مقتل رسام الكاريكاتير الفلسطيني الشهير ناجي العلي، تفتح الشرطة البريطانية التحقيق في مقتله من جديد بعد الحصول على معلومات عن شخص كان يحمل سلاحًا شوهد يقود سيارة مغادرًا موقع الحدث، وأيضًا لم تصل إلى شيء.
الجريدة الرسمية