رئيس التحرير
عصام كامل

ثلاثية الإحباط

الإبداع الإعلانى فى أزمة حقيقية، فالمواطن الذى يتابع مسلسلات رمضان التى تتخلل الإعلانات يصب جام غضبه على الإعلان والمعلن، وسرعان ما أظهرت طبقة من نقاد الإعلانات.


وبدلا من أن يحقق المعلن نتيجة مرجوة حصد كراهية وغضبا على منتجه؛ لأنه تمكن بأمواله أن يتدخل فى دراما أيا كانت طبيعتها إلا أنها تشفى غليله بعد شهور عجاف لم ننتج فيها مسلسلًا واحدًا يسرِّي عن الناس أو يمنحهم لذة من استجداء القيم المنهارة فى المجتمع أو يعدهم خيرًا فى نهاية النفق المظلم.

وباستعراض مسلسل الإعلانات، سنراها وقد تركزت فى صنوف من العقارات التى تخص الفئة "ألف" بالمجتمع، فالفرصة مواتية لمن أراد أن يسكن جنات الأرض وبقليل من الأموال؛ "يا دوبك" بضعة ملايين لتصبح واحدًا من نادى الصفوة.

إعلانات وتبرعات
الحلقة الثانية من الإعلانات عن «شركات المحمول»، حيث تأتي حملتهم المسعورة والمواطن يئن من ضعف الخدمة وانقطاع الاتصال وسوء الشبكات، فأصبحت الإعلانات غير ذات مضمون.

ما حصدته شركات المحمول من إعلانات الموسم لن يصب فى إقبال ولا تملك خطوط جديدة، ولا استخدام خدمات جديدة، فالجديد الوحيد لدى تلك الشركات هو طريقة انقطاع الخدمة، فلكل شركة طريقة!

النوع الثالث من الإعلانات هو «استجداء الناس للتبرع أو دفع الزكاة»، وقد جاءت تلك الحملات فى وقت يحتاج فيه الشعب كله أو معظمه إلى التبرع.. الناس تعيش حالة من الضنك الذى لم تحيه من قبل.

أضف إلى ذلك أن المواطنين لم يعد يغريهم إعلان، بل بالعكس الناس تعلم جيدا أن حجم ما ينفق على إعلانات الاستجداء قد وصل إلى مرحلة مخيفة، فالحملات المليونية فضَّت الناس من حول تلك الجمعيات، وأصبحت محل تساؤل: من الذى يتابع تلك الجمعيات والمؤسسات ويتابع بإنفاقها؟ خصوصا أن هناك تاريخًا من "البعزقة" تناولته مؤسسات وأجهزة محترمة، وظهر للعيان كيف يتصرف بعض مسئولى هذه المؤسسات وكأنها "وِسِية".

ثلاثية إعلانية
(عقارات، ومحمول، وتسول).. تلك هى الثلاثية التى عكرت صفو شهر من الدراما التى وصفت -حتى تاريخه- بالدراما الخائبة، ولكن حتى لو كانت غير مرضية فهي إنتاج لأعمال فنية قد يعيش بعضها ويبقى جزءًا من القوة الناعمة المصرية، أما الزبد فيذهب جفاء.

المثير أن القريحة الإعلانية -رغم توفر عدد من النجوم وعلى رأسهم الفنانة شيريهان- لم تقدم جديدًا، فالأغانى لم تحظ بكلمات راقية ولم تقدم أفكارا جديدة، كل الأفكار أو معظمها ركيكة ومستهلكة، ولن يعيش منها إعلان واحد فى ذاكرة الناس.

كان شهر رمضان شهر الإبداع الإعلانى، كم من إعلانات لا تزال تحيا بالكلمة الراقية والفكرة النيرة ولم تكن إعلانا مباشرا، كثير من أغانى الأمل والأغانى الوطنية لا تزال تحيا رغم مرور السنين.

وآفة القوم أن كل شيء دخل مفرمة "السلق" كشيء مسلوق مثل أكل المرضى وليته مسلوقًا صحيًّا.. بالعكس لا المعلن مهتم بالفكرة ولا شركات الميديا مهتمة بالزبون، سواء صاحب الإعلان أو المتلقى.

لم تعد الأشياء مطهية بجودة المطبخ المصري المبدع، أفكار مستوردة وليتها تحمل نفس نكهة الأجنبى المتعمق فى أصول المهنة، أشكال وصور وإضاءة وألوان.. كل شيء باهت مثل العصر الذى نحياه.. لا لون من الطبيعة.. لا الشارع شارع مصرى ولا الحارة مصرية ولا الناس مصريون.

لن نتحدث عن جهاز فى مصر اسمه «حماية المستهلك»، فقد غاب فى ظروف غامضة، ولم نسمع له صوتا يلعن فيه أن حق المشاهد مهضوم، وأن المواطن المصرى تحول ليصبح ضحية فى مواجهة رصاصات الإعلانات غير الإنسانية.

 غضب المشاهدين
أيضا لم نر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ولا الهيئة الوطنية للإعلام ورأيهما فيما يتعرض له شعب مصر من هجمة شرسة تجتاح حقه فى الرؤية الطبيعية وعدم انتهاك حقه فى الحياة، نعم.. ما نعيشه حالة انتحار فرضت على المشاهدين، والمشاهدون لا حول لهم ولا قوة.

لا المعلن استفاد من إعلانه، ولا الدراما المصرية استفادت من "حبس الشعب" تحت نيرها ومدافعها، ولا المواطن عاش رمضان بعبقه وروحانياته، ولا تركناه دون تدخل فى بيته وحياته.

حجم إعلانات الصفوة أمر مثير ضد الفطرة الإنسانية التى جبلت على البساطة والأريحية.. ماذا يفعل مواطن لا يجد قوت يومه أو يجده بالكاد، ويجد نفسه هكذا فى مرمى فيلات الملايين وتبرعات وتسول وشركات محمول تمارس النصب العلنى عليه، لا شك أن هذا المواطن خرج من شهر الروحانيات بعبء الغضب وعدم الرضا والإحساس بالدونية.
الجريدة الرسمية