رئيس التحرير
عصام كامل

السد العالي.. ملحمة تاريخية!

كان من الذكاء لدى الاتحاد السوفيتي هو الاستفادة من تراجع البنك الدولي ومعه أمريكا وبريطانيا من تمويل السد العالي، خاصة أن هناك تعامل سابق، في صفقة السلاح التي أربكت كل الحسابات الغربية وأزعجت الكيانى الصهيوني، من هنا جاء ترحيب الاتحاد السوفيتي بتمويل السد العالي ويكون له موضع قدم، في الشرق الأوسط، وكان الروس يدركون أهمية السد العالي لمصر وخاصة الفلاح الذي كان ينتظر كل عام الفيضان الذي يتلف الزرع إذا كان مرتفع، أو يموت الزرع إذا كان منفخض وتبور الأرض، وبالتالي كانت الحكومة الروسية تدرك أهمية السد العالي للحكومة المصرية..


كانت الخطوة الأولى وقعت مصر اتفاقية مع الاتحاد السوفيتي في 27 ديسمبر 1958، بقرض 400 مليون روبل لتنفيذ المرحلة الأولى من السد، وهذا لم يمنع أن يتم عمل مراجعة لكافة التصميمات التي سبق أن اعتمدها البنك الدولي، وتبادل الخبراء المصريين والروس الرأي فيما إذا كان هناك ملاحظات أو إضافات، وبالفعل استفادت مصر من اقتراحات الروس بالنسبة لتقنية استخدام الرمال.

4 فبراير 1942.. يوم عار لمصر في عهد الاحتلال!

في عام 1960 تم الاتفاق على المرحلة الثانية، ويمكن أن نطلق عليها الاتفاقية الثانية لإقراض مصر 500 مليون روبل لتمويل المرحلة الثانية للبدء في السد، في الوقت الذي كانت تقديرات التكلفة الشاملة لإقامة السد حوالي 450 مليون جنيه، وفي 9 من يناير 1960 كان بداية ملحمة مصرية شعبية لبنا اكبر سد على النيل، والذي إعتبر بعد ذلك أعظم مبنى هندسي في القرن العشرين.

وهنا استدعى شهادة المهندس حسب الكفراوى فى حوار خاص اجريته عن رحلته من الطفولة الى الوزارة، وعن السد العالى الذى كان بمثابة أكبر عملية تحدى للشعب المصرى قال: كل من ذهب إلى موقع السد العالي سينتابه شعور غريب، بل يمكن القول احاسيس عديدة، تجمع بين الفرح والسعادة بأن هناك حلما بدأ يتحقق على أرض الواقع، سيشعر الانسان بأن مصر كلها على قلب رجل واحد، هذا الرجل الذى يحمل الحجر ويفتت الصخر بعرقه واحيانا بدمه، السد العالى الذى أقامه هم الفلاحين والعمال البسطاء وليسوا الافندية..

ولابد وأنت تشاهد الأغانى التى ينشدها العمال والفلاحين عليك أن تتذكر قناة السويس التى عمل بها الفلاحين المصريين الذي راح منهم عشرات الالاف تحت الرمال وقتلتهم حرارة الشمس أو برد الشتاء بنظام السخرة، والمقارنة ضرورية، هؤلاء وهؤلاء مصريين وفلاحين من تراب مصر وكلاهما يعمل من أجل مصر وشعبها ولكن هيهات بين من يعمل بالسخرة وبين من يعمل بالحب ويغنى سعيدا بما ينجزه ولكل منهم يعمل ويشعر بأنه يبنى طوبة فى مصر الثورة، ولكن بعيدا عن هذا فاننى ذهبت للعمل مع بداية المشروع ، ولكن حدثت مشكلة فنية لم يعلن عنها ، حجم الانجاز قليل للغاية، وأقل كثيرا عما كان مخططا له..

وبعد دراسة الوضع الفنى كانت النتيجة أن الالات التى تعمل من الكتلة الشرقية ضعيفة كفاءة وبالتالى لن يكون معدل البناء مناسبا للخطة الموضوعة، وهذا سيدخل مصر فى مشاكل ليست متوقعة، واقترحنا رفع مذكرة سرية للقيادة بذلك ونقترح البديل، وبالفعل وصل الأمر إلى القيادة أو بالضبط إلى الرئيس جمال عبدالناصر، الذى فوجىء ولكن سأل عن الحل؟ كان الحل هو استيراد ماكينات من الغرب الذى كان قد وقف ضد المشروع وعلاقة مصر ليست معه ليست فى احسن حالاتها .

مصر وحرب اليمن.. وأعداء ثورة يوليو!
 يأخذ المهندس حسب الكفراوى لحظات للتركيز والتأمل فيما يبدو ثم قال: لم يتوقع أحد رد فعل الزعيم جمال عبدالناصر، قال بهدوء شديد، حسنا سنشترى ما نحتاجه ولكن ليس باسم الحكومة المصرية، فهذا سيضمن للصفقة النجاح، وكل ما سوف تحتاجه الصفقة سيكون متوفرا فى اقرب وقت!

يضيف المهندس حسب الله الكفراوى: عاد الوفد ولم يفصح لنا بشىء، مؤكدين علينا بأقصى طاقة ممكنة بالمعدات التى تحت ايدينا، ولم يمض شهرين وفوجئنا بالمعدات، وظل ما حدث بين الرئيس جمال عبدالناصر والوفد سرا لم نعرفه إلا بعد سنوات، وكان استيراد الماكينات من الغرب فعل السحر وتم تعويض العاميين السابقين وسار المشروع كما خططنا له بل إننا تجاوزنا فى بعد الأوقات ما تم تخطيطه.
الجريدة الرسمية