رئيس التحرير
عصام كامل

زكي مبارك يكتب ذكريات صيف فى الاسكندرية

الدكتور زكي مبارك
الدكتور زكي مبارك

فى جريدة البلاغ عام 1947 كتب الدكتور زكى مبارك ذكريات سكندرية قال فيها :
جاء الصيف عام 1938 ، ورأيت أن اقضى أياما فى الاسكندرية أشهد فيها ملاعب الجمال فوق الشاطئ بعد سنوات حرمان امتنعت فيها عن زيارة الاسكندرية التى لم ازرها فى اعوام الحرب الا فى مهمة رسمية يوجبها عملى فى وزارة المعارف وتلك مهمات موسمها موسم الشتاء اثناء الفصل الدراسى ،

 


دخلت المكتبة فقابلنى مديرها ومعاونوه بالترحيب وقالوا نحن ننتظر مقالاتك فى البلاغ بشوق شديد، فقلت: وأنا استمد نشاطى من قرائى والادب مطلوب وهو غذاء الروح، فقال مدير المكتبة: لكنه مقصور مع الاسف على فئة قليلة.


فقلت الناس يحتاجون الى بائع الفول المدمس قبل ان يحتاجوا الى كتاب مفيد، فهل ترى ان نشتغل جميعا ببيع الفول المدمس وأن نصير جميعا فوالين ؟!


كانت ايام الحرب اقسى الايام التى عانيتها فى حياتى وكان الورق الذى كنت اكتب عليه مقالاتى التى ارسلها لجريدة البلاغ منعدما بعد ان كان يباع بتراب الفلوس ولا أدرى كيف اكتب فى تلك الليالى السود.
وفى احدى العصريات، وانا ابحث عن الورق لأقضي الليل الطويل وحدى فى الكتابة واذا بى اقابل شابًا قال لى: انا تلميذك فى الليسيه فرانسيه.. وقال تعالى معى الى مكتبتى وعرض على مجموعة من الكراريس أكتب فيها بديلا عن الورق، فقلت انا لا أقبل شيئًا مجانا، فقال: أنا تاجر ورق وهذه عينات للدعاية ولك نصيب فيها وكله سلف ودين.


إن وفائى لأساتذتى هو السبب فى وفاء تلاميذى لى، وتلاميذى كلهم اوفياء انهم يحبوننى اصدق الحب.


جئت الى الاسكندرية وفى نفسى أننى ماض لأداء واجب لا للنزهة مع ان أداء الواجب فيه أنس للنفس فلا يمكن القول انه نفسيا فلا انا فى صحبة ناس جاءوا لقضاء يومين حلوين أتمتع برؤية اللؤلؤ المنثور فوق الرمال ولا انا ذهبت للعشاء والسهر مع اصدقائى فى البوليفاج مثلا، لكن لى شواغل تشغلنى عن نفسى وهى الخلوة مع قلمى.


قضيت ليلتى الاولى فى مراجعات ادبية وفلسفية، وفى اليوم التالى خرجت فى الصباح كنت اعرف كيف القى اصدقائى وافرح بلقائهم اضعاف ما يفرحون بلقائى لكنى كنت اريد ان اكتب واكتب فقط.

 

محمود السعدني يكتب: زكي مبارك العبقري المظلوم


بعد الحصول على بعض الورق ذهبت الى المقهى وجلست أتأمل فيما صرت اليه وهى صيرورة ومزعجة فحياتى لم يعد فيها استقرار، ولو أننى انتفعت بالتجارب لكنت على أقل تقدير وزيرًا للمعارف.


ثم تذكرت الدكتور خليل الديوانى مدير البعثة المصرى وقت ان كنت طالبا فى جامعة باريس كنت اقدم اليه مقالاتى فى البلاغ فيقرؤها ويتألم لأن فيها أوصافا للمجتمع المصرى العليل فأقول: إنها فرصة للكتابة فى موضوعات فلسفية وجدنا ان آدم لم يكتب حرفا واحدا لأنه كان يعيش سعيدا فى الفردوس مع جدتنا حواء.


الجريدة الرسمية