رئيس التحرير
عصام كامل

الصحافة بين الأمس واليوم!

هناك قول مأثور للمفكر الإنجليزي كبلنج "إذا لم تكن لديك قضية تموت من أجلها فلا تستحق حياة وهبها الله لك ". المتابع لصحافتنا وتاريخها الخالد يجد أنها ولدت من رحم قضية كبرى وهي استقلال الوطن وحمايته من ثالوث الخطر: الجهل والفقر والمرض..

 

وهي قضية حملها أساطين القلم، أمثال أحمد لطفي السيد صاحب الشعار الأثير "مصر للمصريين"، وهو ما جاهدت لتحقيقه صحيفته "الجريدة" في وجه الإحتلال البريطاني والتركي.. كما رفعت "العروة الوثقى" التي أنشأها المفكران جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده "شعار "التنوير"، إيقاظاً للشعوب العربية والإسلامية، ودفعها على طريق التحرر من الاستعمار.

 

ولم يكن "لواء" مصطفى كامل بمنأى عن هذا التيار القومي، بل كان نبراساً أضاء للمصريين طريق الحرية والنهضة.. وقد كافح هؤلاء الرواد ما وسعهم الجهد عن قضية الوطن.. فما جدوى الصحافة ووسائل الإعلام إذا لم تتبن قضايا أمتها ووطنها؟!

 

اقرأ ايضا: قبل أن تصبح نسيا منسيا!

 

تاريخياً ولدت الصحافة المصرية من رحم قضية كبرى هي إستقلال الوطن وطرد المستعمر منه، وتعافي البلاد من تبعات الرجعية، وهي قضية حملها أساطين الفكر والقلم على عاتقهم.. وقد كانت أفكار هؤلاء الرواد ونضالهم نبراساً أضاء طريق الحرية والنهضة والاستقلال.. ولم لا وقد قاتلوا في صفوف الجماهير حتى سقط من بينهم ضحايا، ووهبوا أنفسهم طوعاً لتحقيق رسالة دون انتظار لمكاسب زائلة أو تحقيق مجد شخصي زائف..

 

فالكل يفنى و يبقى الوطن. فعانى الأفغاني ومحمد عبده ويعقوب صنوع آلام النفي والتشريد.. كما سُجن العقاد والنديم؛ دفاعاً عن الرأي وذوداً عن حرية الوطن.. فما وهنوا ولا استكانوا لما أصابهم، ولا تطلعوا لمكاسب شخصية بل كانت رسالة القلم هي محركهم ودينهم وديدنهم..

 

وهكذا كانت صحافة الزمن الجميل محراباً للتنوير وحصناً للوطنية قبل أن تنفتح آفاق التطور الإلكتروني مسفرة عن تقدم تقني مذهل صادفه للأسف تردٍ قيمي وتراجع مهني وضعف في مقومات الريادة، فانفلت الزمام وغدونا نرى جحافل من الصحفيين والإعلاميين يطلون علينا من نوافذ شتى أكثر عدداً، وأقل أثراً ونفعاً..

 

اقرأ ايضا: صمت المجتمع الدولي.. لغز كبير!

 

حيث غابت الرسالة، فلا نجد قضية ولا توافقاً إعلامياً حول أولويات الوطن، بل نجد أجندات شتي وأغراضاً متقاطعات وحسابات متناقضات.. إختلفوا إلا ما رحم ربي حول الوطن و ليس على أرضيته ولا وفق مصالحه العليا وأولوياته الواجبة.. والنتيجة تدني الثقافة والأخلاق والذوق العام وظهور الإحباط..

 

وبعد أن كان يشار لإعلامنا بالبنان في المنطقة كلها تحول بعد أحداث 25 يناير وبفضل دخلاء كثر على المهنة إلى ساحة تموج بسخافات الخرافة والدجل والشعوذة، والبحث عن سلبيات المجتمع وعوراته وفضائحه وخناقات المشاهير، وفتاوى الفتنة التي تتنافي مع قيمنا الأصيلة وروح ديننا الحنيف.

 

الجريدة الرسمية