رئيس التحرير
عصام كامل

الحرب على مقعد القوة العظمى بالذكاء الصناعي


في حوار عن الذكاء الصناعي صرح "فلاديمير بوتين" العام الماضي قائلا: "أيا كان من سيتبوأ هذا المجال فسيحكم العالم"، ومن الواضح أن أركان المعركة اشتعلت بين أمريكا والصين في أروقة مراكز البحث العلمي والشركات عابرة القارات وجذب الاستثمارات في الذكاء الصناعي.


منذ شهور صرحت وكالة رويترز بأن هناك تقريرا مخابراتيا أمريكيا مسربا يقترح تغيير قواعد استحواذ الهيئات الصينية على الشركات الأمريكية، خاصة الناشئة، التي تكرس جهودها على تطوير الذكاء الصناعي قد تستخدمها الصين لأغراض عسكرية، ولكن في كل الأحوال ضمان تفوق الولايات المتحدة تكنولوجيا ثم اقتصاديا وخاصة في الذكاء الصناعي هو أمن قومي نحو الاستمرار كقوة عظمى.

ومن الملفت للأنظار أن هذه الحادثة من المرات القليلة تاريخيا التي تتدخل الأجهزة المخابراتية الأمريكية اقتصاديا طبقا لمبادئ السوق الحر التي تدعمها أمريكا، ورغم أن القليلين في البنتاجون يرون الصين عدوا محتملا، ولكنها المنافس الاقتصادي على المدى الطويل وقوة عظمى محتملة، ولا يجب أن تتخطي دورها كمصنع للعالم، وليس قائدا للريادة التكنولوجية والابتكار، وهو ما تسير عليه الصين اليوم.

ورغم أن دور لجنة الاستثمار الأجنبي بالولايات المتحدة سري إلى حد ما فإن المتخصصين يعتقدون أنها مسئولة عن إفشال الشركات الصينية في شراء "جي سي إس هولدينج" لصناعة الرقائق الإلكترونية، وشركة "ويسترن ديجيتال" حفاظا على الأمن القومي على المدي الطويل، ويعد أخطر المجالات التي تثير قلق الأمريكان هو استخدام الذكاء الصناعي في التصميم الصناعي الذي تتفوق فيه الولايات المتحدة حاليا.

وفي ١٩ نوفمبر الماضي فرضت وزارة الخارجية الأمريكية قيودا على تصدير تكنولوجيا الذكاء الصناعي، وقد كانت القائمة السابقة تشمل تقنيات عسكرية.. من الواضح هو وجود نهم صيني نحو تقنيات الذكاء الصناعي مما أثار قلق الحكومة الأمريكية.

من تبعات القرار أن شركات مثل أبل وجوجل تعتمد على الصين في استثماراتها ستضطر لتغيير اتجاهاتها، أيضا هناك الشركات الأقل حجما ستضطر لوقف طموحاتها نحو التوسع الدولي، وأيضا سيكون للقرار أثر على الجامعات ومراكز البحث العلمي التي تعتمد على باحثين من جنسيات مختلفة... سيظل التحدي أمام القرارات الأمريكي هو انتقال التكنولوجيا من خلال الإنترنت وخاصة شبكات deep web غير الرسمية.

يعتقد "إيلون ماسك" أن الذكاء الصناعي سيتفوق على الذكاء البشري سنة ٢٠٣٠، مما يثير قلق العلماء أنه سيكون قادرًا على التحكم في مناحي الحياة، بما يشكل ضررا بالغا ضد البشرية، وخاصة الفئات محدودة الإمكانيات، وينافسها في وظائفها، ولكن "ماسك" يطرح حلا قد يوفر طفرة للذكاء البشري ألا وهي مفهوم الرباط العصبي لتطوير العقل البشري لينافس بقوة الذكاء الصناعي، من خلال تحفيز مراكز عصبية بالعقل البشري تحت مسمي دمج الإنسان بالآلة التي قد تطورت أيضا لأعضاء صناعية خارقة لدمجها بالبشر لتصبح واقعا وليس خيالا كأفلام الخيال العلمي..

والأخطر هو الهندسة الجينية لصناعة أجيال بشرية خارقة.. ويعتقد كثير من العلماء أن الذكاء الصناعي سيكون قادرًا يوما ما على إدارة الكوكب أفضل من البشر بقوانين عادلة وقواعد محددة بما يضمن حلولا لمشكلات وأخطار عالمية تواجه الكوكب.. استطاع العلماء تطوير الذكاء الصناعي للتعلم والإبداع في تحد سافر للعقل البشري.

أما "ستيفن هوكينج" عالم الفيزياء ومدير الأبحاث في جامعة كامبريدج فإنه يري أن تفوق الروبوت على الإنسان وخاصة في القطاع العسكري أو في السيطرة على الإنسان والتحكم فيه قد يكون مدمرا للحياة البشرية، أما "نيك بوستروم" فقد ألمح أن تطور الروبوت قد يؤدي لفناء البشرية وتوحش الروبوت ضد البشر.

ومن الثابت أن الكيانات الاقتصادية أرست قواعد الثورة الصناعية الرابعة بالإنترنت والذكاء الصناعي في ظل العولمة ليصبح عصب الحضارة البشرية في السنوات المقبلة.. في اعتقادي أن القوة العظمى القادمة هي الذكاء الصناعي ذاته ولكن من سيكبح جماحها له مفاتيح السلطة والغلبة على مناحي الحضارة الإنسانية.
الجريدة الرسمية