رئيس التحرير
عصام كامل

استقطاب الاستثمار الأجنبي في مصر.. الهند نموذجا


هناك العديد من التشابهات بين إحداثيات الاقتصاد المصري والهندي الذي أصبح يحتل المرتبة الخامسة عالميا، وتستهدف الهند في المستقبل المرتبة الثالثة عالميا خلال سنوات.. رغم ضعف الموارد الطبيعية وزيادة السكان، وكانت المعجزة الهندية نموذج في قهر الفقر والجهل والمرض نحو تحقيق تنمية مستدامة رغم الأزمة المالية العالمية المتوقعة.


تعتبر الهند من ضمن أعلى عشر اقتصادات جذبًا الاستثمارات الأجنبية عالميا طبقًا لتقرير الاستثمار العالمي التابع لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية عام 2017. وقد حققت تدفقات الاستثمارات الأجنبية ٦٠ مليار دولار لعام 2016-2017 طبقا لبيانات وزارة الاقتصاد والصناعة الهندية. وحققت الاتفاقيات المبرمة مع دول العالم عام 2017 من 8 مليارات دولار إلى 22 مليار دولار.

في كتاب الباحثة البريطانية أنجيلا سايني، «أمة من العباقرة، كيف تفرض العلوم الهندية هيمنتها على العالم»، تعرض كيف خرجت أمة تعيش في الخرافات إلى أمة تواجه تحدياتها بفكر علمي بناء على مسيرة التنوير التي قادها نهرو بالتعليم والبحث العلمي، وأصبحت الهند تخرج سنويا مليوني مهندس ليصبح اليوم ثلث المهندسين وادي السيليكون من أصل هندي.

ويدير الهنود 750 شركة من شركات التكنولوجيا المتطورة... يطمح العلماء الهنود أنه عندما تنضب الموارد الخام في الكرة الأرضية بعد ٣٠ عاما أن الهند ستبدأ في التنقيب عن الموارد الخام على الكواكب الأخرى.

يلاحظ أيضا ارتفاع تصنيف الهند في مؤشر الشفافية إلى جانب مؤشر حماية المستثمر كمؤشرات جاذبة، ولتحقيق عوامل الجذب:

أولا: رغم تدهور البنية التحتية ولكن هناك مشروعات جار إنجازها خلال الثلاث سنوات الماضية من الطرق والكباري والفنادق والمستشفيات ومحطات الكهرباء، وتضاعفت قدرات الهند على استغلال الطاقة الشمسية ٩ مرات خلال أربعة أعوام.. أيضا هناك خطة لجمع استثمارات ٣٠٠ مليار دولار لضخها في استثمارات البنية التحتية، وقد استثمرت الشركات الأمريكية والإنجليزية والمتعددة الجنسيات مبالغ ضخمة في البنية التحتية وحققت ارباحا هائلة.. تحتاج الهند إلى بنية تحتية تتخطي حاجز ٥ تريليونات دولار لذا تفتح الباب نحو الاستثمار الأجنبي. وبالفعل خلال سنوات قليلة مضت حققت مصر إنجازات ملموسة في قطاع البنية التحتية.

ثانيا: إن سياسات نهرو اعتمدت على تطوير التعليم رغم نقص الموارد المالية حسب الاحتياجات والمعايير الدولية كالابتكار ومراكز الأبحاث وحماية الملكية الفكرية، لتصبح الهند أرخص سوقا للعمالة الماهرة، وتتميز باللغة الإنجليزية والمهارات التكنولوجية في البرمجة والذكاء الصناعي... وقد شرعت الحكومة المصرية نحو خطة تطوير التعليم بالمعايير واحتياجات السوق العالمي.

ثالثا: إن الموارد البشرية الضخمة رغم انها مثلت عقبة تاريخيا نحو التنمية فقط أصبحت اليوم عنصر النجاح، ومثلت الطبقة المتعلمة قوام الطبقة الوسطي الطموحة، فقد اتجهت شركات أمازون ورينو لاقتحام السوق الهندي بمنتجات مبتكرة منافسة سعريا، أيضا سوزوكي وهيونداي، واستفادت هذه الشركات بالتبعية بإنتقاء الكفاءات الهندية نحو هياكلها على مستوى العالم مع جعل الهند مركزا لابتكار منتجات منخفضة التكلفة لغزو الأسواق الناشئة المماثلة بما يناسب أذواقها.. لعل التوتوك أحد ملامح هذه السياسات.

أن التشابه بين المناخ الاقتصادي الهندي والمصري لا يحتاج لتوضيح...

رابعا : تواجد نظام مالي منضبط ديناميكي وصلب في ذات الوقت من خلال شبكة مصرفية مترامية الأطراف، أيضا تواجد المؤسسات المالية على الصعيد الوطني والدولي وسوقًا مالية مرتفعة الأداء حسب المؤشرات الدولية كما تقدم مصارف التنمية الحكومية قروضًا بفوائد وحوافز أيضا قد تشارك الدولة في مشروعات استثمارية تفيد الاقتصاد الهندي.

حقق القطاع المصرفي المصري شوطا من الإصلاحات وقروضا ميسرة للشباب أيضا هناك إرادة نحو تفعيل الشمول المالي.

خامسا: مع تطور القطاع الخاص المحلي الذي اصبح يقود الاقتصاد مع وضع حدود للملكية الأجنبية في بعض القطاعات الإستراتيجية.. تصنف الهند انها الثالثة عالميا كسوق لشركات التكنولوجيا الناشئة المحلية ورواد الأعمال خارج الاطر التقليدية لذا فقد جذبت خلال ٣ سنوات فقط أكثر من ٢٠ مليار دولار، اعتمادا على المهارات الشابة في قطاع التكنولوجي والذكاء الصناعي من خلال بيئة ابتكارية توفرها الدولة التي حققت ما يسمي بالاقتصاد الرقمي.

بدأت مصر في هذا العام خطوات نحو تفعيل الاقتصاد الرقمي ولكن ما زال مناخ الابتكار والتكنولوجيا وريادة الأعمال يواجه تحديات تحتاج حزمة من الحوافز الفعالة من خلال التعليم الجامعي والنوادي بدعم من مؤسسات القطاع الخاص والدولة.

رغم كل التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري ورغم قصور الاعلام في بناء الوعي الاقتصادي، فنحن حسب التجربة الهندية نتدارك سنوات من الغيبوبة والانفصال عن التطور التكنولوجي العالمي نحو تنمية مستدامة ٢٠٣٠ بخطوات ممنهجة.
الجريدة الرسمية