رئيس التحرير
عصام كامل

دور التشريعات البرلمانية في تحفيز الاقتصاد المصري (2)


فليسوف الاقتصاد "ستيفن لاندسبيرج" لفت النظر إلى أن تجارة العاج تسببت في انقراض فصائل من الأفيال رغم أن تجارة المواشي لم تؤدِّ إلى انقراض الماشية، رغم أنها أوسع وأكبر وهنا يبرز الفارق.. أن تجارة الماشية لها أصحاب مصلحة يهتمون باستمراريتها على المدى الطويل أما لصوص العاج فلا تنظمهم استراتيجية للحفاظ على المورد الطبيعي الرئيسي فإن كانت قطعان الأفيال مملوكة لكيان ما فإنه يكون ملزما بتنمية المصدر قبل استهلاكه بشراهة، هذا هو ببساطة حال الاقتصاد المصري، حيث يتحرك كل مواطن منفردا لتحقيق أقصى ربح بدون إدراك ما يؤدي فعله على استهلاك الموارد أو مقومات الاقتصاد الوطني.


وفي كل المجالات يحدث ذلك، ولعل أشهرها هو استيراد مصر لكميات هائلة من الأسماك رغم أنها تتمتع بسواحل قياسية، بسبب قيام الصيادين بصيد الأسماك طوال العام بدون هدنة لنمو السمك الصغير التي تحددها القوانين في كل دول العالم وعلى الجانب الآخر فهناك دول تستهلك غاباتها لصناعة الأخشاب ولكن بدون إهمال زراعة غابات جديدة.

من هو صاحب المصلحة الحقيقي، هل هو المواطن أم الحكومة أم نخبة بعينها، في الحفاظ على الاقتصاد الوطني على المدى الطويل؟.

سؤال يطرح نفسه وبشكل آخر: من المستفيد من الاستقرار الاقتصادي ومن المتضرر من تدمير موارد الدولة؟، هل هناك مجموعة ما أم هم عامة الشعب.. لذا فالتحدي الأهم هو زيادة وعي الشعب نحو وطنهم لأنهم المستفيد الحقيقي وما السلبية إلا أخطر ما يواجهنا كدولة نحو البقاء.

نحن نحتاج لأن يتحمل المواطن المصري مسئوليته أمام نفسه في كل تصرفاته وألا يلقي العبء على موظف الدولة لأنه يوما ما قد يكون موظف دولة.

السؤال الثاني: هل دور المواطن ينحصر في انتظار الدعم أم أنه ملزم أخلاقيا ووطنيا بمساعدة الدولة لاقتلاع الإرهاب ومقاومة استغلال الأزمة الدولارية ومواجهة الشائعات المدمرة للاستقرار؟ وهنا قضية مجتمعية لا تجد من يقودها من القادة المجتمعين أو السياسيين. العدوى هي أحد أهم الثوابت التي تحرك مجتمعاتنا بل وإن أخطر ما يواجهنا هو ثقافة القطيع نحو إيذاء أنفسنا.

السؤال الثالث: بعد ثورتين وشعارات ثورية حالمة ما زال المواطن يعيش أزمة ثقة مع مؤسسات الدولة، وكل من الطرفين لم يحاول كسر هذه الأزمة وأكبر المشاهد المحزنة من نتائج هذه الأزمة المتزامنة هو التشاؤم الاقتصادي المدمر للوطن رغم أن هناك إنجاز فعلي في بعض القطاعات.

ويشير ستيفين لاندسبيرج إلى أن أسطورة العجز الحكومي ليست دائما مؤشرا سيئا للاقتصاد الوطني فإن استدانة شخص لبناء مصنع مختلفة كليا عن الاستدانة لقضاء إجازة، حيث إن المصنع سيؤتي ثماره المالية عاجلا أم آجلا وهنا لفت نظري موقف الحكومة المصرية.. نعم نحن حاليا في أزمة اقتصادية ولكننا حققنا الحد الأدنى من البنية التحتية لجذب الاستثمارات ونحن على أعتاب استقطاب الاستثمارات، وهذه وجهة نظر ينقص الدولة تسويقها إعلاميا.

من اللافت للنظر أن الدولة ما زالت تفكر بفكر السبعينيات وتفرق بين المستثمر المحلي والأجنبي، رغم أننا في عصر العولمة وعصر المستثمر العالمي، وهناك كثير من رجال الأعمال هجروا السوق المحلية من أجل تحقيق استثمارات في دول أخرى، وهو ما يتحقق بسهولة بل هو سلبي جدا، حيث إن المستثمر المحلي هو ترمومتر المستثمر الأجنبي نحو الاقتصاد.

الأمر الآخر، رغم أني من رجال الأعمال إلا أنني أشهد أنه لن ينصلح حال الاقتصاد الوطني بوجود مافيا اقتصادية في كل القطاعات بدأت بأثرياء الانفتاح ثم سماسرة التخصيص إلى أثرياء الثورة وهو ما جعل الاقتصاد المصري في أيدي مجموعة من المرتزقة والمثير للانتباه أن الاثرياء المصريين مختلفي الصفات والفكر عن الاثرياء في دولة أخرى وأغلبهم يعمل بفكر Shock economy أو بالعامية "أهبش وأجري" مما سبب تضخم للثروات بلا تنمية حقيقية للاقتصاد.

وكما نعتمد اليوم على المقاتل المصري في حرب الإرهاب، فنحن نحتاج لنموذج رجل الأعمال الوطني طلعت حرب.

عزيزي القاريء:
هناك نقاط عديدة أكثر مما سردت تؤدي إلى نتيجة واحدة، وهي أن التحفيز هو قاعدة اقتصادية سحرية، بل وهو سر تغيير الثقافة والثوابت البالية والتحرك نحو مستقبل أفضل، وعلى الجانب الآخر يكون القانون القوي هو الرادع وببساطة سياسة العصا والجزرة هما أدوات كل تغيير إيجابي ويأتي ذلك من خلال قوانين تحقق متطلبات المرحلة لتحفيز المجتمع نحو تنمية حقيقية للاقتصاد المصري وليس الدور سهلا وإنما مسئولية البرلمان كبيرة لاستكمال ما بذلته الدولة نحو إنشاء بنية تحتية للاقتصاد الوطني، ويجب أن يحقق نتائج ملموسة نحو الاقتصاد الذي يختلف كليا عن السياسة في أنه يقاس ويقدر من وجهة نظر المواطن البسيط.

الجريدة الرسمية